إن التعليم الجامعي الناجح والمتميز، هو الانتقال من مرحلة التدريس عن طريق التلقين المكثف، إلى مرحلة التعليم عن طريق التوجيه والإرشاد، ومن مرحلة حشو المواد إلى انتقاء العلم والمصادر، ومن أهم الركائز لنجاح الجامعات في بلادنا الاهتمام والتركيز على ما يلي:
1 - الكادر الجامعي، من دكاترة ومحاضرين، إذ لا بد أن تتوفر فيهم الصفات الآتية:
- الأخلاق وحب المهنة، وحب نقل العلم إلى الآخرين..
- العلم والعمل، مع التأكد من القدرة العلمية، لا الشهادات..
- الخبرة العملية لمدة لا تقل عن (10) سنوات..
- حب البحث والتطور والمثابرة على ذلك..
- الخبرة العملية في التقنية الحديثة - الحاسوب وغيره من الوسائل..
- التفرغ الكامل، مقابل أجر عال، وتوفير المزايا الأخرى من قبل الجامعة للأكفاء..
- تقديم البحوث والدراسات في مجال العمل..
- اجتياز التقويم الدوري، والإنجازات التي على ضوئها، يمدد عمل الأستاذ الجامعي ويرتقي من حيث الأجر والمنصب..
- بعث روح التعاون والتنافس الشريف..
2 - الجامعة من حيث الهيكل والتنظيم الإداري:
- البناء الحديث والمناسب، مع الأخذ بعين الاعتبار سبل الانتقال من مبنى إلى آخر، مثل الأنفاق والسراديب..
- أحدث وسائل التقنية، من حيث سبل التعليم والحاسوب، وشبكة حديثة مخصصة للجمعة وطلابها، تتواصل مع كل طالب جامعي منتظم أو منتسب.
- الحرم الجامعي، ليس مقتصراً على موقع واحد، بل لا بد أن يكون موزعاً على عدة مواقع، توزيعاً إستراتيجيا، يخدم احتياجات المدينة أو المنطقة، وما ينبغي أن تنهض به الجامعة والكليات فيها من خدمة للمجتمع..
- دراسة جدوى مواصلات لذوي الدخل المحدود، حيث يكون هناك خطوط سير ثابتة بين الجامعة ومناطق معينة..
- العمل الجاد على وضع خطط ونظم حديثة وميسرة، في أقسام القبول والتسجيل وغيرها من الشؤون الإدارية، والاستفادة من خبرات الجامعات العالمية في هذا المجال، والبعد عن التعقيد والبيروقراطية المعطلة.
* إن تعليمنا في مختلف مراحله، من معاهد وكليات وجامعات، وقبله المرحلة الثانوية، إذا لم يلب احتياجات سوق العمل، فسوف يظل الاعتماد على العمالة الوافدة التي تزودت بالتقانة ونالتها في تحصيلها الدراسي ووسائل التدريب وما إليهما، سنبقى معتمدين على تلك العمالة إلى ما شاء الله، إلى أن يستقيم تعليمنا ويستجيب لمتطلبات حاجة العمل، وإلى أن يتحقق ذلك، سيطول بنا الزمن أو يقصر، وكذلك ستظل وزارة العمل تعمل وتتابع إنتاج كفاءات وطنية قادرة وجادة، لتسد العمالة الوافدة المكثفة.. وأردد قول الشاعر:
وما استعصى على قوم منال
إذا الإقدام كان لهم ركابا |
وقول المتنبي:
وإذا كانت النفوس كباراً
تعبت في مرادها الأجسام |
* فهل تعليمنا العام وكلياتنا وجامعاتنا تستجيب إلى ذلك، بحيث تسد النقص والاحتياج، ليكون عندنا غنى!؟ إننا إذا لم نبادر لتصحيح مسارنا التعليمي كما ينبغي، سيصبح عندنا عشرات أو مئات الألوف من البطالة، لأننا لم نهيئهم بسبل تتيح لهم العمل في سوقه، وربما احتجنا إلى المزيد من استقدام العمالة المدربة القادرة على العمل في مجالاته عندنا، ونظل عالة على العالم، ونزعم أن عندنا جامعات تلبي متطلبات سوق العمل، وهو كلام لا يُعوّل عليه!
* إن معطيات البطالة أمور ضارة بالوطن والمواطن، وهذا ما لا نريده، لأن نتاج ذلك سلبيات وخل في خطط مسارنا وأدائنا وأننا نقول كثيراً ولكن بدون فعل! ما أغنانا عن مثبطات أعمالنا، لأننا قادرون على تلافيها، ويدرك هذه القضية العقلاء، وفيهم ومنهم المسؤولون.. وأكبر الظن أننا نعي قيمة هذه المسؤولية الجسيمة والمخيفة، ومرد ذلك سلبياتنا وعدم الأخذ بالأحوط والأسلم توجها !
* ورأيت وقرأت في بعض صحفنا، أن امتحان - القدرة والقياس - أصبح عائقاً حتى لدى الطلبة الذين يحصلون في امتحان الشهادة الثانوية على درجات عالية فلا يتاح لهم الالتحاق بالجامعات، لأنهم غير مهيئين من الناحية العلمية لاجتياز امتحان القبول، أو كما يسمى القدرة والقياس، وأصبح ذلك عقبة لكثير من طلابنا حتى المتميز منهم، وقد يكون السبب الرئيس في أمور مستقبلية لا تحمد عقباها، وهذا ليس دعوة ضد امتحان القبول، بل طلب ورجاء من المسؤولين في التربية والتعليم، للتركيز على نقاط الضعف، وتغيير المناهج وأساليب التعليم لما فيه المصلحة العامة للجميع، ووضع مخطط قصير الأمد للتعاون المشترك بين وزارة التربية والتعليم ووزارة التعليم العالي، ومد وزارة العمل بالكفاءات المؤهلة من جميع النواحي، لأن ذلك هو الهدف المنشود لكي نبني كوادر تلبي متطلبات الوظائف المبتغاة.
* ولقد نشرت إحدى صحفنا الصادرة يوم الأحد 13-7-1425هـ شكاوى يقول عنوانها: (اختبار القدرات لا يعترف بالمتميزين في الثانوية العامة).. ويقول بعض رجال التعليم العام: (إن اختبار شهادة الثانوية العامة هو من أصدق الاختبارات وهو المناسب مع قدرات طالب الثانوية العامة حيث يتم في سياق المنهج المحدد من قبل الوزارة).
* إذاً الطلاب في حاجة إلى (كثرة الاطلاع وإثراء عقولهم بالمعلومات والثقافة العامة وعدم الاعتماد فقط على الجانب التحصيلي).. وتحدث للصحافة الأستاذ عبدالله بن أحمد الثقفي - مساعد مدير عام التربية والتعليم لشؤون التعليم بجدة).. واسأل كيف يتحقق ذلك وسط المناهج والمقررات - المتلتلة -، كيف يتاح لطالب الثانوية الجاد، تحصيل معلومات وثقافة عامة؟ ولقد دعوت مرات، إلى سلخ مواد لا حاجة لطالب الثانوية - علمي - بها، إلا زيادة في إرهاقه، بحيث لا يستطيع أن يلم بما يحتاج إليه مما هو خارج المنهج من متطلبات - اختبار القدرات -، وإني أرى خللاً ذكره الأستاذ حامد السلمي مدير عام الإشراف التربوي بتعليم جدة، (إن اختبارات القدرات الذي يتم لخريج الثانوية العامة في الجامعات يركز على جوانب ثقافية لا يركز عليها التعليم العام).
* إذاً فإن غياب آلية وتنسيق بين وزارة التربية والتعليم وبين وزارة التعليم العالي، أوجد هذه الفجوة والخلل.. وعجب أن يكون ذلك في وطن واحد.. وإني أرجو الله أن يقارب بين هاتين المؤسستين الكبيرتين للتعليم في بلادنا، التي يدعو دستورها: {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ}.. فالتعاون المفقود عندنا، نحن واجدوه عند أمم لديها قيم ومبادئ عليا ملتزمة بها ومتعاونة إلى أبعد حدود التعاون، وليس عندها المنهج الإسلامي، ونحن المنتسبين إلى الدين القويم، ليس عندنا هذا السلوك، وديننا يقول: (يد الله مع الجماعة).. لقد قرأت شكاوى الطلاب الصارخة، وأنهم أضاعوا من أعمارهم وجهودهم اثني عشر عاماً في التعليم، ألغاها اختبار القياس.. وأصوات الشكوى تعالت من أولياء الطلاب المتميزين في نتائج نجاحهم.. فمن يرتق هذا الانفصام في بلادنا بين تينك المؤسستين؟!
تنويه
* في آخر الحلقة الثانية من هذه الوقفات، التي نشرت يوم الاثنين الماضي 6-8- 1425هـ أشرت في أول السطر الثامن من آخر المقال - من أسفل - فنقلت: وها أنا كتبت ثلاث حلقات، إلى قولي من السطر السابع - أسفل -. وأريد في هذه الحلقة أن أركز على نقاط - إلخ.. هذه الكلمات أقحمت خطأ مني ولهذا بادرت بلفت نظر القارئ الكريم إلى ذلك!
|