الشعور بالمواطنة.. من أعذب المشاعر التي ممكن أن تجتاح الإنسان.. والأكيد أن هذه الأيام تهدينا هذه المشاعر بألقها ورونقها.. فكل ما يحيطك يذكرك بروح الوحدة الوطنية التي نقلت الوطن من أراضٍ متناثرة متناحرة إلى وطنٍ واحد يرنو إلى مستقبل واحد ومصير واحد.
لكن هذا الشعور الدافق الجميل لا يحتمل اللفظية فقط والإحساس الأولي انه بحاجة إلى تحوير لكي يكون برنامج عمل واقعي نتمثله في كل حياتنا وفي أعمالنا.
لا يكفي أن نتغنى بالوطن لفظاً وإنشاداً.. ونحن لا نشعر بروح المسؤولية تجاهه.
والمسؤولية الوطنية وفق ما يراها د.حسن المرصفي في كتابه المسؤولية الوطنية في الإسلام هي (الشعور بالاستقلال والقدرة على تغيير معالم الأشياء وعلى معالجتها بالفرعية والإرادة المبتكرة).
فالإنسان خليفة الله في أرضه مسؤولٌ عن إعمارها بالخير وإنمائها وتطويرها وتوفير الكرامة للإنسانية وعبادة الله وتقواه.
ومَن هو الذي يستطيع القيام بهذه الأدوار إن لم يكن إنساناً مكتمل الشعور بالمواطنة الحقة.. وبالإخلاص وبروح المسؤولية واعياً ومدركاً أن الوطن يستحق العمل والجهد والبذل لأنه الأرض التي عليها تدرج ومن هوائه النقي نتنفس ومن خيراته نأكل وبمقدراته نتطور وتتكامل أُطر حياتنا.
** وهذه المقدرات بحاجة لإخلاص وجهد لكي تتنامى وترتفع معدلاتها.
بحاجة لمواطن مسؤول يدرك أن المسؤولية ليست عبئاً عليه بل هي تشريفٌ له ولقدراته وتمييزٌ له عن غيره..
المسؤولية تشريف وتكليف ولا يكلف إلا القادر.. وحين يسعد الإنسان بشعوره المسؤول تجاه الأشياء حولها يتحول عمل إلى جهد ممتع يهديه لمن حوله بكل إخلاصٍ وتفانٍ وتعاون.
ومن إخلاص هذا وإخلاص ذاك يتشكل الوطن وتطوره.. لا تستطيع الخطط ولا البرامج أن تنجح في تحقيق التنمية إذا لم تجد الروح المسؤولة التي تنفذها.
وحين يتغلغل الشعور بالمسؤولية في داخل كل مواطن تتبدى روح جديدة في العمل.. وفي التعاطي مع الحياة.
إذ يظهر التكامل وتغيب الأنانية وتظهر روح الشراكة والفعل القادر على معالجة القصور وتغيير معالم الأشياء السالبة إلى الإيجابية.
وإيقاظ المسؤولية وتحويلها إلى إحساس يظهر على شتى مناحي الحياة وتعاملات الإنسان معها يحتاج إلى جهد مؤسسات المجتمع ذاته فالأسرة مسؤولة عن تربية النشء على روح المواطنة المسؤولة.
والمدرسة مسؤولة
والمسجد مسؤول
والإعلام مسؤول
وكل مسؤول عن تربية النشء وتعويدهم على الإحساس الإيجابي بالمسؤولية وتحويل المسؤولية من عبء كان الناس يتسارعون لإلقائه عن كواهلهم إلى ميزة جميلة لا يكلف بها إلا القادر المتميز المتمكن.. وكل مواطن مسؤول.. وكل مسؤول هو قادر ومتميز.. ومن هنا يصل الوطن إلى معدلات نماء أعلى حين يتشكل في مجموعة من مواطنين مخلصين مسؤولين يتشرفون بالمسؤولية ويجتهدون في أدائها ويسعدون بها ولا يشعرون بأنها عبء ثقيل يحرمهم لذة الحياة..
فالحياة عطاء..
وقمة العطاء أن تعطي من أجل وطنك الذي هو أنت في النهاية !
11671 الرياض 84338 |