تصادفنا هذه الأيام الذكرى الرابعة والسبعون لليوم الوطني من عمر بلادي المديد - بعون الله - في ظل مسيرة مباركة ، تحت قيادة راشدة من سلالة موحد الجزيرة العربية تحت اسم (المملكة العربية السعودية) وعاصمتها الرياض ، ورايتها الخفاقة لا إله إلا الله محمد رسول الله ، وشعارها النخلة دليل النماء والعطاء والسيفين دليل العدل ،
ولما كان الشيء بالشيء يذكر : فقد قرأت في كتاب بيان الوجيز في سيرة الملك عبد العزيز لخير الدين الزركلي ، أن معالي الشيخ محمد سرور الصبان رحمه الله قال : أمرني الملك عبد العزيز يوماً أن أكتب ما يمليه عليّ فصرت أكتب ما يمليه بلغة مصححة ، ولما أكمل الإملاء ، قال لي : اقرأ ما كتبت ، فقرأته عليه ، فضحك وقال : إنني أعرف أنك متعلم ، تحسن الكتابة بالعربية الصحيحة ، ولكني أخاطب بهذه الكتابة أبناء البادية الذين يفهمونها ، فقلت : سمعاً وطاعة ، وعدّلت ما كتبت فأعجبه وأمر بصدوره.
هذه الملاحظة الذكية من الملك في أسلوب المخاطبة للناس تدل على القول المأثور : (خاطبوا الناس على قدر عقولهم ، وليس عقولكم) ثم أضاف معالي الشيخ الصبان قائلا : وصل الملك عبد العزيز يوما من جدة إلى مكة المكرمة ، ووقفت سيارته على باب القصر ، ولم تحضر له (عربة اليد) التي كان يركبها من السيارة إلى الباب ، فتحامل على نفسه ونزل من السيارة ومشى الهوينى ، وأهل جدة يمشون وراءه حتى وصل إلى باب البهو ، وكنت واقفاً بجانب طريقه ورآني مبتسماً ، فقال لي : مالك تضحك؟ فقلت : لأنني مسرور قال لماذا؟ قلت : لأني رأيت جلالتك تمشي على قدميك ، ورآك الناس وأدركوا أنك بخير - ولله الحمد - وظهر السرور على وجه الملك ، فأمسك بيدي ، وقال : اجلس عندي ، وأمر أهل جدة بأن يدخلوا ، ويتعشوا ، وجلست إلى جانبه فقال لي : إنني فكرت كيف تكون حالتي بعد ظهور عدم وجود العربة ، أيحملني الناس؟ وهذا أمر لا يليق ، أم ماذا أفعل؟ ومن ثم تحاملت على نفسي ومشيت بكلفة كما تراني ، ولكني متأثر ، أرأيت أخي القارئ الكريم هذا التحامل على النفس والقسوة عليها من هذا الفارس الكبير الذي لم يكلف شعبه على حمله مع تشرفهم بذلك ، ولم يجعل شعبه يراه في ضعف ولم يأمر بقطع رأس المسؤول عن العربة.
ويمضي الشيخ الصبان في حديث الذكريات مع جلالة الملك عبد العزيز ، - رحمه الله - قائلا : وفي ذات مرة بعد انتهاء حرب اليمن ، ناداني وقال لي : أحضروا السيارات من جدة ، وبمجرد وصول الإخوان والجيش من البحر ، انقلوهم في السيارات ولا بأس من أن يعتمروا ، وإذا أدوا العمرة فعليهم أن يذهبوا حالاً إلى بلادهم ، لئلا يكون منهم على المدن بعض ما لا يحسن ، ثم همس في أذني وقال : إذا كان معهم شيء من الأموال (الأمتعة) التي تقتضي رسوماً فأعرضوا عنه المهم سرعة ترحيلهم .. هذه الشفافية المصحوبة بالرحمة والمودة ، لا يريد جلالته أن يسيء بعض الناس لأهل المدينة ، ثم أمره بأن يسهلوا العمرة لهم ، ثم أمره بأن يغضوا النظر عن أمتعة الناس بعدم طلب الرسوم التي تشق عليهم :
لعمرك ما الرزية فقد مال
ولا فرس يموت ولا بعير
ولكن الرزية فقد حر
يموت بموته خلق كثير |
رحم الله الملك عبد العزيز وحفظ الله أبنائه الأشاوس.
|