التجاوزات في الفلوجة

لايبدو أن نوعية الضحايا الذين يسقطون في القصف الأمريكي على منازل مواطني الفلوجة هو الأمر المهم في نظر أولئك الذين ينفذون هذا القصف، بل المهم هو توصيل الرسالة التحذيرية لأهالي المدينة من خطورة إيواء، أو التفكير في إيواء الذين يحاربون الاحتلال.
وبينما تتحدث القوات الأمريكية عن ملاحقة رجال المقاومة وقصفهم، فإننا نرى في كل مرة أن الجثث التي يتم انتشالها من البيوت المدمرة بالصواريخ الأمريكية هي لنساء وأطفال، وفي حادث حي الضباط فجر أمس السبت بالفلوجة قتلت الغارات الأمريكية ثمانية أشخاص كان بينهم امرأة وثلاثة اطفال.. ولا يتم التوقف كثيرا عند هذه العمليات، ولا يتم إمعان النظر في مدى فداحة الخسائر البشرية، كون معظم القتلى دائما من الأطفال والنساء، كما لا نسمع أن هناك تحقيقاً يجري بشأن هذا القصف المتكرر وبالذات على الفلوجة.. وفي المسألة العسكرية خصوصاً فإن القصف العشوائي الذي يجري يعكس استهتارا بمصير هؤلاء الذين تنزل عليهم هذه الحمم صباح مساء، وكيف أن القوات الدولية ترفض تعريض افرادها للخطر اذا هي لجأت للتحري والاستطلاع على الأرض وأنها تستعيض عن ذلك بمجرد الاشتباه، ومن ثم ترسل صواريخها وقنابلها من الجو، وليمت من يموت وليصب من يصاب، المهم أن يكون الجنود (الاشاوس) بعيدين عن مرمى النيران.
وقد يصح الحديث هنا عن ابادة.. وإلا فماذا يقال عن هذا الأمر؟ وعن هذا الاستهتار بالأنفس البريئة؟
إن قدرا كبيرا من الأحقاد يتراكم مع استمرار هذا الأسلوب الدموي الذي ينطوي على قدر كبير من الاستهتار، ومن الصعب ازاء ذلك تصور أنه يمكن الوصول إلى الاستقرار عن طريق القمع والقتل والتخويف، فالذين يشهدون بأم أعينهم ذويهم وأبناءهم واشقاءهم يسقطون بالرصاص الأمريكي وغيره دون جرم، لا يملكون إلا اللجوء إلى السلاح لحماية أنفسهم حتى لا يكونوا ضحايا الغارة المقبلة، أو للانتقام أو للتعبير عن الرفض في ساحة تنعدم فيها أي وسائل أخرى للاحتجاج أو لرفع المطالب، بينما تسود فيها ثقافة القتل والانتقام.. إن العراق الذي يفترض أنه يستشرف نقلة سياسية، تتميز خصوصا بالديموقراطية، يحتاج كثيرا إلى ما يقربه من هذه الديموقراطية، فهو يحتاج إلى الحوار والتفاكر، لكن الذي يجري لا ينم الا عن تصعيد مقيت يكرس فقط لسيادة سياسة العنف والانتقام.