الكتاب:Why Globalization Works
المؤلف: Wolf Martin
الناشر2004 Press University, Yale
منذ مطلع الثمانينيات يخرج العديد من الخبراء الاقتصاديين على العالم بالكثير من الأدلة التي تؤكد أن سياسات التجارة الحرة بين دول العالم يمكن أن تحقق نموا اقتصاديا يفوق ما يمكن أن تحققه السياسات التجارية القائمة على استخدام أساليب الحماية المختلفة.
مؤلف كتاب (لماذا العولمة مجدية) مارتن وولف ينشر بشكل منتظم سلسلة مقالات في الدفاع عن العولمة وتحرير التجارة العالمية في صحيفة فاينانشال تايمز البريطانية المرموقة.
والحقيقة أن وولف تمكن خلال الفترة الماضية من تقديم نفسه كأحد الصحفيين الاقتصاديين المرموقين في العالم.
يتناول الكتاب مجموعة متنوعة من الموضوعات منها صعود وانهيار ما يمكن تسميته بفترة العولمة الأولى التي انتعشت خلال الفترة من 1870 إلى 1914.
ولكن أهم ما يتضمنه الكتاب هو ما يرد في الجزء الثالث منه والذي يفند فيه الكاتب حجج نقاد العولمة وتحرير التجارة ودور الشركات متعددة الجنسية في الاقتصاد العالمي واحتكار رأس المال.
ونظرا لأن هذا الجزء من الكتاب يحظى باهتمام كل من أنصار ومناهضي العولمة على السواء فإنه يستحق بالتأكيد نظرة أكثر عمقا.
بالنسبة لهؤلاء الذين يرون أن تحرير التجارة خلال الثمانينيات والتسعينيات فشل في تحقيق معدلات أسرع من النمو يشير وولف إلى تجارب مناقضة لما يقوله هؤلاء وبخاصة في الصين والهند.
فكلتا الدولتين تشهدان قفزات في النمو الاقتصادي بعد أن فتحتا أبواب اقتصادياتهما للتجارة العالمية والاستثمارات الأجنبية.
وكما يشير وولف فإنه لم يشهد العالم تحسنا في مستوى معيشة شعب أو دولة بمثل السرعة التي تحدث الآن في كل من الصين والهند.
ويقول وولف إنه على الرغم من أن تحرير التجارة العالمية لن يقود وحده دائما إلى تحقيق نمو اقتصادي مستقر ودائم فإن تحرير التجارة ضروري لتحقيق النمو.
ويضيف الرجل أنه وجد من خلال بحثه أن الدول التي حققت معجزات النمو الاقتصادي بمعدلات تصل إلى ثلاثة في المائة من إجمالي الناتج القومي خلال الفترة من 1961 إلى 1999 كانت كلها قد حققت نموا ثابتا في تجارتها الحرة.
علاوة على ذلك فإن هناك عدد من الأمثلة القليلة للدول التي تمكنت من تحقيق معدلات نمو سريعة على الرغم من فرضها لقيود تجارية.
في المقابل هناك عدد كبير من الدول التي فشلت في تحقيق معدلات نمو اقتصادي ثابتة نتيجة الأجراءات الحمائية التي تطبقها.
والحقيقة أن وولف على صواب عندما ركز على رفض الأدلة الواقعية التي يلجأ إليها مناهضو العولمة من أجل الهجوم على تحرير التجارة العالمية.
وعلى الرغم من أن البيانات توضح أن تحرير التجارة لا يكفي وحده لتحقيق النمو فإن هذه البيانات يستغلها أنصار تحرير التجارة والعولمة أمثال وولف لدعم موقفهم.
فالتجارة قوة دافعة لكن يمكن ألا تقود إلى تحقيق النتائج المرجوة في كل مرة.
لذلك وعلى سبيل المثال تمكنت مجموعة من الخبراء الاقتصاديين الذين عملوا في مشروع لصالح منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية من التوصل الى نتيجة تقول ان نظام الهند الصارم في منح تراخيص العمل الصناعي يمكن أن يدمر أي مزايا تنجم عن تحرير التجارة.
وبشكل أكثر عمومية فإنه إذا تم تحرير التجارة في دولة لا توجد بها شبكة نقل مؤهلة أو إذا أغلق الشركاء التجاريون المحتملون أسواقهم أمام الدولة التي تتبنى التجارة الحرة فإن القيود ستظل بحكم الأمر الواقع بغض النظر عن الإطار النظري أو القانوني في الدولة.
ويؤكد وولف أيضا أن قدرة التجارة على تحسين معدلات النمو قد تتلاشى نتيجة سوء الإدارة.
فالإدارة السيئة تفتح الباب للفساد وللحكم التعسفي وأحيانا يصل الأمر إلى عدم وجود حكومة على الإطلاق في دولة من هذا النوع.
كما استطاع وولف الرد على هؤلاء الذين يستشهدون باستمرار بالتجارب الفاشلة لليبرالية الاقتصادية في دول أمريكا اللاتينية.
فالواقع يقول إن أغلب دول أمريكا الجنوبية اقترضت مبالغ هائلة لذلك أصبحت عرضة للأزمات المالية.
وكان هذا بالطبع سببا في حرمان العديد من دول المنطقة من الاستفادة من مزايا تحرير التجارة.
ثم ان هناك أمثلة نجحت في الاستفادة من سياسات التجارة الحرة مثل شيلي التي حققت معدل نمو اقتصادي يبلغ خمسة في المائة سنويا على مدى أكثر من عشرين عاما لأنها قلصت القيود التجارية بينها وبين دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية التي تضم من بين ما تضم من الدول الولايات المتحدة واليابان ودول الاتحاد الأوروبي وأستراليا.
وبالطبع فإن الشركات متعددة الجنسية واحدة من الأهداف المفضلة لدى مناهضي العولمة وتحرير التجارة العالمية.
فهذه الشركات من وجهة نظر هذا المعسكر تقهر العمال في الدول الفقيرة وتستنزفهم بأدنى مقابل.. وفي الوقت نفسه تحقق ضررا بالغا بالعمال في الدول المتقدمة من خلال نقل مصانعها إلى الدول النامية بحثا عن الأيدي العاملة الرخيصة.
ولكن وولف يبدد هاتين الأسطورتين.
يقول وولف إن الأسطورة الأولى تروج لها المنظمات غير الحكومية ويتساءل إنه لو كانت الشركات متعددة الجنسية تستنزف عمال الدول النامية فلماذا يصطف هؤلاء العمال أمام أبواب هذه الشركات للحصول على فرصة عمل فيها؟! ليس هذا فحسب بل إنه يقول إن دراسة أجريت على عشرين ألف مصنع في إندونيسيا كشفت أن عمال مصانع الشركات متعددة الجنسية في هذه الدولة يحصلون على أجور تزيد بنسبة خمسين في المائة عما يحصل عليه عمال المصانع المحلية فيها.
أما بالنسبة للأسطورة الثانية التي تقول إن حرية تدفق رؤوس الأموال تجعل الشركات متعددة الجنسية تنقل مصانعها واستثماراتها إلى الدول النامية الأمر الذي يقلص فرص العمل والأجور في الدول الغنية فإن وولف يشير إلى أن حجم الاستثمارات التي تدفقت على الولايات المتحدة عام 2001 على سبيل المثال يماثل تقريبا حجم الاستثمارات التي خرجت منها.
في المقابل يؤكد المؤلف ان التدفق الحر لرؤوس الأموال يساعد في زيادة الانتاجية وينشط سوق العمل العالمية سواء لدى الدول الغنية أو الدول الفقيرة.
ولكن الواقع يقول إن بعض الاقتصاديين وصناع السياسة ينظرون إلى الانتقاد الحاد الذي يوجهه وولف إلى مناهضي العولمة وينظرون إلى الآراء التي يصدرها باعتبارها شديدة المحافظة.
وبالفعل فقد صدرت ردود عديدة على تلك الآراء التي يدافع عنها وولف.
فقد كتب جيمس توبين الخبير الاقتصادي الحاصل على جائزة نوبل في الاقتصاد وبول كروجمان الكاتب الصحفي في صحيفة نيويورك تايمز العديد من المقالات التي تفند نظرية حرية انتقال رأس المال التي يمكن أن تقود إلى أزمات مالية طاحنة كما حدث في الأزمة المالية الآسيوية عامي 1997 و1998.
وبعد الأزمة المالية الآسيوية بدا وولف مؤيدا لأراء هؤلاء الاقتصاديين في مقالاته بصحيفة فاينانشال تايمز في أواخر التسعينيات.
ولكن في كتابه لماذا العولمة مجدية تخلى وولف عن هذا الموقف وبدأ يتجه إلى مواقف أشد تطرفا في تأييد العولمة وتحرير التجارة العالمية.
ورغم اعتراف وولف بأن قابلية رأس المال للتحويل بالكامل يمكن أن تؤدي ببساطة إلى أزمة مالية إلا أنه يؤيد تماما هذه القابلية للتحويل رغم عدم وجود أي دليل على العلاقة الإيجابية بين القابلية للتحويل وبين النمو الاقتصادي.
ويستشهد وولف في هذا السياق بالخبير الاقتصادي الحاصل على جائزة نوبل في الاقتصاد فريدريش هايك الذي يقول إنه لو ترك للناس الحرية لاختيار المكان الذي يستثمرون فيه مدخراتهم فإنهم سوف يختارون المكان الذي يحقق لهم أعلى ربح بغض النظر عن الحدود الجغرافية.
ويستشهد وولف بالأزمة التي فرضتها بريطانيا على أسواق العملة ويقول إنها أدت إلى تدمير قدر كبير من المدخرات النقدية للطبقة الوسطى في بريطانيا.
ويرى وولف أن وجود نظام مالي قوي يعتمد على نظام لتحويل العملات المختلفة مكون أساسي من مكونات أي برنامج للنمو الاقتصادي.
وهو يرى أن محاولة فرض أي قيود على مثل هذا النظام المالي مسألة مكلفة وغير فعالة وتدفع الكثيرين من المواطنين إلى استخدام أساليب غير قانونية مما يساعد على نشر الفساد.
وأخيرا يمكن القول بأن كتاب (لماذا العولمة مجدية) يقدم ردا بليغا على هؤلاء الذين يملئون الدنيا ضجيجا بشأن مخاطر العولمة وتأثيراتها الضارة على جميع شعوب العالم الغنية منها والفقيرة.
ومهما كان موقف القارئ من تلك القضية التي باتت تشغل العالم حاليا فإن قراءة كتاب وولف سيكون أمرا مفيدا في جميع الأحوال.
|