دعت دراسة حول استثمار طاقات المجتمع في تيسير الحصول على المسكن إلى وضع تصور للأدوار التي يمكن أن تقوم بها الحكومات لتفعيل مفهوم البناء بالجهود الذاتية باعتباره أحد الاتجاهات التي تيسر الحصول على المسكن.
وقالت الدراسة التي أعدها كل من محمد عبدالسميع الاستاذ المساعد بجامعة أسيوط ووائل حسين المدرس بكلية الهندسة في نفس الجامعة أن الاتجاه إلى استثمار طاقات المجتمع (البناء بالجهود الذاتية) يمثل أحد التوجهات الحالية في مجال الإسكان، حيث برز هذا التوجه لقصور بعض الحكومات في الدول النامية في توفير المسكن المناسب لفئات السكان المختلفة، مع الانتشار الكبير والمستمر لمناطق الاسكان العشوائي في العديد من دول العالم، تبلورت رؤى ترى أن لجهود الافراد الذاتية دوراً إيجابياً في إسكان الملايين من الاسر الفقيرة.
وأشارت الدراسة إلى أن معدل النمو الحضري يرتفع في معظم بلدان العالم المتقدم منه والنامي، ومع انخفاض مستويات الدخل وضآلة نصيب الفرد من الناتج القومي حيث إن المستوطنات التي يقيمها ويطورها الناس العاديون تنمو بمعدل يساوي ضعف معدل النمو السكاني ككل، وهذا يعني أنه إذا كانت البلدان الآخذة في التحضر يزداد عدد سكانها بمعدل 2.5% إلى 3.5% مثلما الحال في معظمها، فإن المدن تنمو بمعدل 5- 7% في حين أن المستوطنات تنمو عادة بمعدل 10 إلى 14% مما ينتج عنه مشاكل كبيرة نظراً لصعوبة توفير مسكن ملائم لسكان المستوطنات في مشروعات الإسكان المعانة، لذا يصبح البحث عن بديل عملي ذي أهمية كبيرة، خاصة وأن تكاليف الاسكان تتزايد باستمرار لتصبح بعيداً عن متناول ذوي الدخول المنخفضة، وأيضا بعيداً عن قدرات معظم الحكومات.
وبينت الدراسة أن البديل هو دور الحكومة في عملية البناء، الذي ينبغي أن يتجه اتجاها آخر، وهو أن تكفل الحكومة للقادرين على البناء مجهوداتهم الذاتية- مادية أو معنوية- وسواء لأنفسهم أو لأهليهم- سبيل الحصول على الادوات والموارد الاساسية لهذا العمل، ويتمثل ذلك في الارض أو بمعنى آخر حق وضع اليد على الارض بشكل قانوني، والمساعدة الفنية بالنسبة للتخطيط الاقتصادي لقطع الاراضي والمساكن ومشروعات البنية الاساسية، والتسهيلات الجماعية التي لا يستطيع الاهالي إقامتها بأنفسهم بدون تمويل حكومي أو المعونة الفنية لها، ويمثل هذا الاتجاه استفادة من الجهود الذاتية للافراد، وضمان مشاركتهم في إيجاد المسكن الخاص بهم والملائم لهم.
وأشارت الدراسة إلى استثمار طاقات المجتمع والبناء الذاتي تتمثل في أن تقوم كل أسرة بإنشاء جزء من المسكن ثم تستكمله أو تتوسع فيه خلال مراحل زمنية تمتد إلى سنوات حسب توافر الموارد المالية لها.
وقسمت الدراسة الجهود الذاتية من ناحية توزيع المسئولية إلى:
الجهود الذاتية الموجهة، والجهود الذاتية غير الموجهة، فالجهود الذاتية الموجهة وتعني قيام الحكومة بتوجيه وتنظيم الجهود الذاتية للأفراد ووضعها في إطارها الصحيح مع توزيع المسئولية بين الحكومة والافراد، ويمكن حصر برامج الجهود الذاتية الموجهة في ثلاثة أشكال:
الاول برامج مشروعات المواقع والخدمات، ويتم فيها تخطيطها وتجهيزها بالخدمات الحضرية مع تقسيم في صورة قطع صغيرة بعد تسويتها وتجهيزها بالمرافق الاساسية والثاني مشروعات المسكن النواة، وهذه الفكرة نشأت بسبب الصعوبات التي واجهت تنفيذ برامج المواقع والخدمات خاصة من جانب المستهدفين بهذه المشروعات نظراً لصعوبة القيام بعمليات البناء وبالتالي تتطلب دراية فنية خاصة والشكل الثالث من برامج الجهود الذاتية برامج تطوير وتحسين المناطق العشوائية المتدهورة وإعادة تخطيطها، وتعنى هذه البرامج في مضمونها بتحسين الوضع القائم في هذه المناطق إلى الافضل على أن يتم ذلك بصورة متكاملة، وعلى مراحل متناسبة مع الظروف القائمة، ويرتبط بالواقع المحلي القائم والاحتياجات الفعلية، وبصورة متوازنة مع الامكانات المتاحة، يشمل هذا التحسين كل النواحي العمرانية والاجتماعية حيث يعنى بتحسين المساكن القائمة وتحسين الخدمات واستكمال الناقص منها، كذلك تحسين المرافق، وإمداد الموقع بها وتحسين الظروف المعيشية والارتقاء بمستوى المواطن ذاته ثقافياً واجتماعياً.
وخلصت الدراسة إلى أن هناك إمكانية لمساهمة الافراد بجهودهم الذاتية في مرحلة أو عدة مراحل من مراحل إعداد المسكن وتطوير البيئة السكنية، وإمكانية حدوث نوع من التعاون بين الحكومة وبين الأفراد في هذا المجال، على أساس أن يتم ذلك من خلال خطة واضحة للتنمية المتكاملة، ويكون الدور الأساسي للدولة فيها توفير الارض اللازمة لعملية البناء، وتهيئة البنية الاساسية مع إيجاد فرص عمل مختلفة، على أن يقوم الافراد ببناء مساكنهم وفق إمكاناتهم واحتياجاتهم من خلال إدارة تستهدف النفع المتبادل للحكومة وللسكان وللبيئة السكنية.
وأكدت الدراسة على الدور المهم الذي تلعبه الجهود الذاتية الموجهة للأفراد في تيسير حصولهم على المسكن حيث ادى استخدام منهج الجهود الذاتية إلى تخفيض تكاليف إنشاء الوحدات السكنية وأعطى توجهات ترتبط بامكانية نمو المسكن مرحليا وفقا لتطوير ونمو الامكانات والموارد البشرية.
|