عندما وصلتني دعوة حضور ملتقى المثقفين تذكرت أنني نشرت فيما مضى -أي قبل تسع سنوات- مقالا عن (الثقافة والمثقف) في يوم الأربعاء 29 جمادى الآخرة عام 1416هـ في جريدة الرياض بعنوان: إذا كنت مثقفاً فاقرأ هذا المقال لتعرف مدى(؟).
وقد طرح في المقال تعريف جديد لكلمة (المثقف) وأحببت أن أذكر البعض منكم ممن لم يقرأ المقال بما جاء فيه، وقد ذكرت ما يلي: (ان العلم هو نور العقل وسراج القلب به تنال الشرف وتكتسب الفخر، وقيل: العلم نور النفوس وبهجة القلوب وغذاء الأرواح به حياة الأمم وبه تنهض.. وقد بحثت في القرآن الكريم عن كلمة (ثقافة ومثقف) فلم أجدها وإنما وجدت (علم وعلماء) من خلال هذه الآيات الكريمة: قال الله تعالى: {وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا}. وقال تعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ}. وقال تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء}.
وأيضا قال أحد الشعراء:
تعلم فليس المرء يولد عالما
وليس أخو علم كمن هو جاهل
كما أن الكتابات في الماضي والشعر العربي القديم لم ترد به كلمة (ثقافة). وقد تعددت تعريفات الثقافة عند فلاسفة الشرق والغرب بصورة تتقارب في الفكرة وتتفاوت في الألفاظ والصيغات.
في (المنجد) تعرف الثقافة بأنها (التمكن من العلوم والفنون والآداب).
ومن تعريفات الثقافة أنها أسلوب الحياة السائد في أي مجتمع بشري.
ومنذ البدايات الأولى للجنس البشري، والثقافة أهم ما يميز المجتمع الإنساني عن التجمعات الحيوانية.. فعادات الجماعة وأفكارها واتجاهاتها تستمد من التاريخ وتنتقل تراثا اجتماعيا إلى الأجيال المتعاقبة.
واللغة هي العامل الرئيسي لنقل الثقافة وإن كانت بعض أنماط السلوك والاتجاهات تكتسب بوسائل أخرى غير اللغة، كما أن درجة التنظيم الثقافي تساعد على التمييز بين تحضر المجتمعات.
والمعنى الدارج الذي يفهمه العامة أن (المثقف) شخص واسع الاطلاع لبق الحديث.
وهناك فرق بين المثقف والعالم.. فالمثقف يستمد ثقافته من علم الغير.. أما العالم فهو من يفكر ويبحث عن الحقيقة بالتجربة ويبتكر وينشر علمه حتى ينتفع به غيره وتستفيد منه الأمم..
وبعض علماء المسلمين الأوائل كانوا مثقفين في كثير من العلوم الأخرى لأن حجم المعلومات في زمانهم قليل وكانوا مطلعين على كثير مما كتب في تلك العصور.
نرجع إلى تعريف الثقافة في (المنجد) وهو التمكن من العلوم والفنون والآداب.
وإذا أخذنا أحد هذه الفروع مثل الثقافة العلمية وكنت من المثقفين علميا فستجد أنه من الصعب الالمام بجميع أنواع العلم فما كتب عن العلوم منذ أن عرف الإنسان العلم حتى الآن في جميع أنحاء العالم وبلغاتها المختلفة قد يملأ مكتبات كثيرة وأيضا إذا أخذنا فرعا من العلوم مثلا ما كتب عن الكيمياء أو الجيولوجيا أو الفيزياء أو الطب أو الهندسة وغيرها يجد المتخصص نفسه في أحد هذه الفروع غير ملم بكل ما كتب عن هذا العلم أو ذاك بكل لغات العالم فما بالك بالمثقف أي غير المتخصص.. ما هو مدى معرفته.
وهذا ينطبق على الثقافة الأدبية والمثقف الأدبي فما كتب عن الأدب باللغات المختلفة كثير جدا فهناك الأدب العربي والأدب الإنجليزي والفرنسي والألماني والروسي والصيني وغيرها. وقليل جدا من هذه الآداب مترجم إلى لغات أخرى.. كما يمكن تطبيق ذلك على باقي الثقافات.
في هذا القرن كثرت المعارف واخترع الحاسوب واصبحت المعلومات تخزن في ذاكرته.. وكما نعرف فإنه من الصعب على العقل البشري في هذا العصر أن يلم بالمعلومات حتى من فرع صغير من فروع المعرفة.
وخلق الله فينا صفة النسيان أيضا، فمهما قرأنا فإننا ننسى الكثير مما قرأناه. ولذا يا عزيزي المثقف إذا كنت تعد نفسك من المثقفين فلنرى مدى ثقافتك.. ارسم خطا بالقلم طوله متر، وهذا الخط يمثل ثقافة جميع الأمم والحضارات السابقة وكل الأديان والعلوم واللغات والعادات منذ بدء الخليقة حتى الآن.. على هذ الخط قدر ما تعرفه ومدى ثقافتك تجد أنك لو أحضرت دبوسا وغرست رأسه على هذا الخط فهو أكبر بكثير من حجم معلوماتك ومعرفتك أو ثقافتك.. لذا يجب أن يكون تعريف المثقف ليس بمدى ما يعرفه لأنه يجهل الكثير والكثير.. وفي نظري أن تعريف المثقف الحقيقي في هذا العصر أنه الشخص الملم بمصادر المعلومات ويعرف كيف يستنبط المعلومات.. إذاً هو الشخص الذي إذا سألته أي سؤال قال لك: سأحاول أن اعطيك الاجابة في اقرب وقت، ثم بعد ذلك يذهب ويبحث في مكتبته أو المكتبات الأخرى ومصادر المعلومات.. وبنوك المعلومات او يسأل بعض المتخصصين ويأتي لك بإجابة دقيقة.. اذاً المثقف في هذا العصر هو الملم بمصادر العلوم والفنون والآداب وليس المتمكن من العلوم والفنون والآداب لأن التمكن من ذلك فوق طاقة العقل البشري.. وهو تعريف جديد أقدمه لك يا عزيزي القارئ.
وأقول للأخوان في ملتقى (....) إذا كنتم تعتقدون أنكم فعلا مثقفون فانظروا ما وصلنا إليه في عالمنا العربي والإسلامي، وكونوا صادقين مع أنفسكم أولا ومع ولاة الأمر في بلادنا ثانياً، لا تجاملوا وفبلادنا وولاة أمرنا في حاجة للمساعدة بالكلمة الصادقة غير الخجولة. وتذكروا دائما كلمة خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله- الذي يكررها في كل لقاء، (إننا دولة نتقبل النقد، لكن قدم الحل مع النقد ولا تنتقد فقط).
وأقول لولاة الأمر وكل مسؤول في بلادنا الحبيبة من أي منطقة أو وزير وخلافه من أصحاب الشركات: شجعوا العلماء الحقيقيين وأصحاب الكلمة الصادقة لحضور مجالسكم وادعوهم دائما لكل مناسبة، خذوا منهم ما تعتقدون أنه يصب في صالح هذا البلد المعطاء وكرموهم فالتكريم ينبغي أن يكون لكل المبدعين في بلادنا.
ولوزارة الثقافة والاعلام أقول: حاولوا بكل الطرق أن تجعلوا من قنواتنا الاخبارية باللغة الانجليزية على جميع الأقمار التي تبث للعالم الغربي والشرقي مثل ما ان قنواتهم CNN, CNBC تبث على أقمارنا، واكثروا من حلقات النقاش باللغة الإنجليزية في التلفزيونات العربية والإسلامية، ناقشوا قضايانا وغيرها بالكلمة الطيبة وليس بنقاش وصراخ (الديوك) باللغة العربية، حتى يفهمنا الغرب ويعرفون عنا الكثير بدلا من أن يستمعوا للمغرضين فقط ومن يبث السموم على عالمنا العربي والإسلامي، وزعوا كتيبات باللغات المختلفة على كل من يدخل بلادنا تشرحون فيه ديننا وعاداتنا وثقافتنا.
ثقفوا أطفالنا للمرحلة المقبلة بالعلم والسلوك الجيد، عبر الوسائل المرئية والالكترونية، اجعلوا تعليم اطفالنا مبتكرا وحديثا يتمشى مع متطلبات عصرنا.
لوزراء التعليم.. اهجروا التعليم من الورق الأصفر، وحصنوا شبابنا بالعلم والمعرفة الحقيقية، ليكونوا الساعد الأيمن لبلادنا، تذكروا أن المثقف هو من يلم بمصادر المعلومات العلمية والفنية والأدبية، ولذلك فالتعليم العام الأدبي أو العلمي او الفني فقط ليس من صالح بلادنا، ابتكروا او على الأقل اتبعوا ما وصلت اليه الولايات المتحدة من طرق التعليم، ولا تجعلوا من بلادنا حقل تجارب، فجامعاتنا ليست مدارس ثانوية.
بعض كتابنا يقولون: من الصعب أن نملك عصا سحرية تنقل بلادنا في غمضة عين إلى ثقافة جديدة، وأنا أقول: رحلة الألف ميل عادة تبدأ بالخطوة الأولى ونحن ولله الحمد قد خطونا خطوات في طريق التقدم، المهم لا ننظر للوراء وإنما نفكر ونتعلم ونعمل ونبدع لنحقق مستقبلا أفضل للأجيال القادمة.
ومن منكم يعتقد أنني خيالي واحلم ولست واقعيا، أقول له انني لست مخدرا مثلك ولا أعتقد أن هناك المستحيل وكما قلت رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة واحدة، ونحن خطونا خطوات تبدأ بحلم نرجوا أن يتحقق، وحتى الأحلام تحسدونني عليها.
واخيرا يجب علينا جميعا أن نلتف حول ولاة أمرنا ونكون لهم بطانة صالحة يستفيدون من علمنا ومعرفتنا وثقافتنا إن اردتم ان تصفوا أنفسكم بالمثقفين.
|