* كتب - سعيد الدحية الزهراني:
في سياق أعمال ملتقى المثقفين الأول، عقدت الجلسة الثالثة في تمام الساعة الرابعة عصرا في مركز الملك فهد الثقافي بالرياض، وقد شارك فيها كل من د. إبراهيم البعيز والأستاذ إبراهيم التركي والأستاذ حسن بافقيه ود. خالد باطرفي والأستاذة إيمان القويفلي، حيث أدار الدكتور محمد الربيع مستهلا الجلسة بمباركة هذه الخطوة التي تبنتها وزارة الثقافة والإعلام، ومشيرا إلى أهميتها ضمن الخارطة التنموية لدينا، بعد ذلك استعرض المشاركين في الجلسة بادئاً بلمحة عن سيرهم العلمية والعملية، لينتقل الحديث بعد ذلك إلى الدكتور إبراهيم البعيز الذي تناول في ورقته المعنونة ب(التلفزيون.. والتصنيع الثقافي) عددا من المحاور، وقد جاء فيها:
لم ينجح التلفزيون في الدول العربية في دوره التنموي المأمول بحيث يكون أداة ووسيلة للحوار والتفاعل الاجتماعي والثقافي، ولم يقتصر هذا الفشل على الوظائف الثقافية والتعليمية فحسب، بل شمل ذلك الجوانب الترفيهية أيضا، وقد تجسد هذا الإخفاق في تسابق المواطنين إلى وسائل الإعلام الغربية من إذاعات موجّهة وقنوات فضائية لمتابعة مستجدات الأزمات والأحداث السياسية الساخنة، وفي هيمنة الإنتاج الأمريكي على سوق المسلسلات والبرامج التلفزيونية والأفلام السينمائية. والتلفزيون السعودي لا يُستثنى مما تعانيه الإذاعة العربية (المسموعة والمرئية) من ضعف وتدن في مستوى الخدمة الإعلامية؛ فانتشار وسائل وتقنيات الاستقبال للمضامين الإعلامية الغربية في المملكة العربية السعودية يضاهي المعدلات العالمية.
إن المهتمّ والمتابع لوضع التلفزيون السعودي يقف حائرا أمام جملة من الاستفسارات والتناقضات حول جدية من يربط بين القوة السياسية والاقتصادية والحضور الإعلامي. فالمملكة العربية السعودية تتمتع بثقل سياسي واقتصادي على المستويين الاقليمي والعالمي .
لينتقل الحديث بعد ذلك إلى الأستاذ إبراهيم التركي مدير التحرير للشؤون الثقافية حيث قدم ورقة بعنوان (رؤية حول المنتج الثقافي وظروف الإنتاج.. الإصدارات الثقافية نموذجاً) .
(مايسترو الكلمة) إبراهيم التركي كما أطلق عليه الدكتور عبدالرحمن الشبيلي بدأ ورقته مستعرضا مهارته في التلاعب والرقص على الحرف والكلمة، يقول مايسترو الكلمة:
** سألوا محمد بن عيسى (وهو وزير ثقافة سابق) عن المثقف.. وروى (سمير سرحان) - في كتابه (حرب الثقافة) - تعريفه له بأنه: المناط به في كل عصر مساءلة القيم..!
** أشار إلى المثقف (الحقيقي) .. وأكد (المساءلة.. وفيها: (فهم) .. و(وعي) .. و (تجربة) .. و (تقويم) .. وعبرها تتحدد ملامح (اتجاهات) (المجتمع) في فترات (التحول) ..!
** وإذ لكل مجتمع (خاصيته) فإن ما هو مطروح (للمساءلة) مختلف تبعا لمساحة (الحركة) التي يستطيع (المثقف) الانطلاق فيها، نائيا - في البيئات الإسلامية - عن المسلمات التي تحددها نصوص قطعية الثبوت والدلالة، ولا شأن له بعد ذلك باختلاف (الفقهاء) .. وسلطات (العادة) ، وتحكم (التقاليد) .
وربما ناله من هذا كثير من (الأذى) والاتهامات (حين ترقى العادة) في المجتمع (الراكد) إلى (عبادة) ، ويصبح التقليد قانونا، ويتصدر رأي (فقهي) واحد..!
** بمثل هذا يجد المثقف الحقيقي (نفسه) غريبا إذا سأل.. (ومتطاولا) إذا تساءل.. و (خارجا) إذا أجاب..!
كما يلمح في نقطة أخرى الى مسألة مهمة قائلا:
** طغى (الهمس) - أزمانا -.. وربما اختفى.. فلم يعد للمشكلات (العامة) التي تمس (الوطن) حضور في منتديات (المثقفين) .. وجلسات (العامة) .. واستهلكت (الجميع) تفاصيل الحملة (اليومية) المملة، أو الهروب (من الواقع.. والانكفاء النخبوي) بمناقشة الأبعاد النظرية (للفكر) المتعدد..!
** ويحس من (استمع) بفوقية واهمة تحاول (الارتقاء) على الهم (الداخلي) بادعاء (مظهر) أو مضمر أننا خارج دوائر تلك (الإشكالات) التي عمت الناس واستثنتنا حتى لكأننا نرقب (العالم) من كوكب (زحل) ..!
ثم ألقى الناقد الأستاذ حسين بافقيه ورقة بعنوان (رؤية تخطيطية للجوائز الثقافية في المملكة العربية السعودية) ذكر فيها:
(تعد الجوائز الأدبية والثقافية ظاهرة عالمية قديمة، شملت الحضارات المختلفة، ومثلت كل العصور، معبرة عن تحولها من السمة (الفردية) الى السمة (المؤسسية) مع ما تنطوي عليه كلتا السمتين من ظلال أدبية واقتصادية وإيديولوجية، تمثل، في الأخير، الجدل القديم والحديث حول استقلال المثقف من صوب عقله وثمرة إبداعه، سواء أكان ذلك التكريم ماديا أو معنويا.
ويبدو أن لظاهرة العلاقة بين (المثقف) و (البلاط) في التاريخ القديم صلة بالأوضاع الاقتصادية والمهنية لتلك الفئة الممتازة في المجتمع. فطائفة كبيرة من أولئك الشعراء والأدباء والعلماء لم يرتبط بمهنة أو حرفة سوى الاتصال ببلاط الخلفاء والأمراء والوزراء، أما الذين وجدوا ما يكفل لهم العيش الكريم على مبعدة من السلطان فإنهم ضمنوا استقلالا فكريا إلى حد ما، عن أن تؤثر قيم البلاط فيما ينتجونه من علم وأدب، أو ما تمليه عليهم السلطة من مواقف سياسية، كما أن السوق النافقة لتلك المؤلفات - في مرحلة ما قبل الطباعة - لم تكن سوى خزائن الخلفاء ومن إليهم من الولاة والأمراء والوزراء خاصة أن شعراء الكتاب المخطوط لم يكن بالأمر اليسير على كل أحد إلا إذا كان من علية القوم وأعيانهم. ومع العصور الحديثة، وبخاصة مع صعود نجم الطبقة الوسطى المستهلكة للثقافة التي ارتبطت بالكتاب المطبوع إلى الجمهور بعد ارتباطها مدة طويلة ب (البلاط) وبدا أن الرعاية الأدبية القديمة التي يمثلها مفهوما (المدح) و (المنح) قد آذن عهدها بالزوال، فالمثقف - في العصور الحديثة - أصبح ذا مهنة تكفل له حياة كريمة، وصار (الجمهور) الذي يتوجه إليه بإبداعه هو الرهان الحقيقي له وهيأ هذا استقلاله الفكري الذي لم يكن ليستطيعه وقد نزل سلفه على شروط قيم (النبيل المانح) الذي كان يفرض نموذجه القيمي على الفن والأدب والثقافة، على ما هو معروف في أدبيات النقد العربي القديم المرتبطة ببلاط عبدالملك بن مروان وهارون الرشيد والمأمون وسواهم من الخلفاء والولاة والأمراء، أو الشروط الفنية التي يمليها (المؤدبون) القاعدون في بلاطهم) .
ثم انتقل الحديث بعد ذلك إلى الدكتور خالد باطرفي مدير تحرير جريدة المدينة حيث قدم ورقة بعنوان (المجلات والملاحق الثقافية والأدبية بين التقليدية والتطوير) ذكر فيها:
(قبل عشرين عاما، عندما صدر ملحق الأربعاء الثقافي الاجتماعي الفني عن جريدة المدينة على يد الأديب عبدالله الجفري كانت البيئة الثقافية والعامة في حالة عطش شديد وتلهف كبير لزخة مطر شعرية، قصصية، فكرية، غنائية، فاستقبلت الملحق بكل الترحاب الذي يستحقه والذي لا يستحقه.
لم تكن هناك فضائيات وقتها، ولم تكن هناك إلكترونيات ملهية. لم يكن الإنترنت قد خرج إلى الوجود ومعه الشات والبال توك، والجوالات لم تتجاوز تكنولوجيا أجهزة اللاسلكي، وغابت لذلك ملهيات الرسائل الفورية والتصويت الفوري وخطوط الصداقة الدولية. لم تكن أسواقنا بهذه الضخامة والفخامة، ومقاهينا بهذا المستوى والجمال، ولم يكن عندنا كورنيش على كل ساحل، ومتنزهات في كل حي، واستراحات في كل بر. باختصار لم تكن عندنا كل هذا التنوع الإلهائي فكانت الثقافة بأشكالها والفنون الجميلة بأصالتها ومحليتها والمناسبات الاجتماعية على محدوديتها ملهية المهليات وتسلية التسليات ومتعة المتع.
ما زلت أذكر ما قاله لي فنان القرن السعودي طلال مداح عندما سألته مرة عن غياب (السميعة) وافتقاد الجمهور السعودي للتذوق الفني والتجاوب والتفاعل الذي كنا نعيشه في زمن كان الناس يسافرون من بلدة إلى أخرى ليشهدوا أمسية شعرية أو حفلا غنائيا أو مباراة كروية، ثم يقضون بقية الأسبوع أو حتى الشهر يتحدثون عما سمعوا ويتبادلون الرأي فيما به استمتعوا. قال: زمان كانت الناس عطشانة تتضور جوعا وتتلمظ عطشا لسماع النغم، فلا تأتيها الأغنية الجديدة ولا يلد الفنان الجديد والشاعر الجديد كل يوم، وعندما تحدث الولادة يحتفل الناس بالحدث الكبير، ويتدارسونه ويتبادلون الرأي فيه.
وأخيرا قدمت الأستاذة إيمان القويفلي ورقة بعنوان (مقترحات بشأن تأسيس عدد من الدوريات الثقافية) .
( أهداف المشروع كجزء من تحول وزارة الإعلام و (الرقابة) ، إلى وزارة الإعلام والثقافة
أولاً: إن اهتمام الوزارة بإصدار دوريات ثقافية وفق شروط إعداد ونشر عالية؛ هو تحول أساسي في دورها الرقابي المعهود إلى دور المنتج ثقافة، وهذا التحول بالتحديد هو ما تحتاجه لتملأ مقعدها الجديد ك (وزارة للإعلام والثقافة) .
ثانياً: إن المملكة لا تزال حتى الساعة مفتقدة للإصدارات الثقافية التي تقدم الحراك الثقافي المحلي للخارج، مقارنة بما حققته الدول المجاورة. إذ توجد مجلة (العربي) في الكويت، و (البحرين الثقافية) في البحرين، و (نزوى) في عمان، وعدة تجارب أخر في الإمارات، وغيرها وعلى نطاق أكبر في مصر وتونس والمغرب. ورغم أن المملكة سوق رئيسية للتوزيع يستوعب كل هذه الإصدارات وأكثر، ورغم أن القارئ السعودي هو المستهلك الأول للمنتجات الثقافية والعميل الدائم لمعارض الكتاب والمكتبات، إلا أن المملكة تفتقر بذاتها إلى مشروع مماثل، وهو الخواء الذي قد يملأه (جزئيا) مشروع إطلاق عدد من الدوريات من خلال الوزارة؛ إذا أنجز كما يجب.
|