Sunday 26th September,200411686العددالأحد 12 ,شعبان 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "مقـالات"

شيء من شيء من
التطرف ملة واحدة!
محمد بن عبداللطيف آل الشيخ

التطرف هو داء نفسي بلا شك. ومثلما يجبُ أن نقف بكل قوة ضد أولئك الذين يتخذون من الدين ذريعة للقتل والتفجير وإراقة الدماء وهتك الحرمات، تحت مسمى الجهاد، أو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو الدعوة إلى الله، يجب أن نقف الموقف نفسه مع أولئك الذين يبحثون في المقابل عن إثارة المجتمع، ومحاولة النيل من ثوابته، واستفزاز مشاعر غالبيته بتجاوز الخطوط الحمراء.
ومن يحاولُ أن يقرأ كثيراً من مواقف بعض محترفي الإثارة من المتطرفين، سواء في هذا الاتجاه، أو في الاتجاه المضاد، سيكتشف في النهاية ان التطرف ملة واحدة وان تعددت الشعارات، فلا فرق - بصراحة - بين شخص يدعي التحرر، ويتحدث عن العقلانية، ويُراهن على الإنسانية، وفي الوقت نفسه لا تهمه مشاعر الغالبية العظمى من أهل وطنه، ولا أحاسيسهم، ولا حرماتهم، ولا قيمهم، ولا ثوابتهم، وبين غلام جاهل يتأبط قنبلة، ويذهب إلى مجمع سكني، ويفجر نفسه، بحجة أن ما يقوم به هو ضرب من ضروب الجهاد الذي هو ذروة سنام الإسلام. ففي تقديري أن الشخصين هذا وذاك وجهان لعملة زائفة واحدة.
وإذا كانت القضية قضية وطن، وهي كذلك بكل تأكيد، فإن كل ما يُثير أسباب البلبلة وانفراط الأمن وهز استقرار ذلك الوطن وإضعافه أمام الآخر، خصوصاً إذا كان هذا (الآخر) عدواً يتحين الفرص للنيل من الوطن واستقلال قراراته، وسواء جاء ذلك من خلال أعمال العنف مباشرة، أو من خلال استثارة الطرف الآخر على أعمال العنف، فالنتيجة هنا وهناك واحدة. بل لن أكون مبالغاً لو قلت: إننا قد نجدُ لمراهق ساذج مغرر به، على اعتبار أنه حدث، من الأعذار والمبررات، ما لا يمكن أن نجدها لإنسان ناضج، يطرح نفسه على أساس أنه (متنور) ومثقف، ثم يثيرُ الزوابع والأراجيف ما يعلم علم اليقين أنها ستنعكس انعكاساً سلبياً على وطنه، وقصده ومبرره وغاية أمنيته مجرد الظهور لا أكثر.
أعرفُ، بل وأؤمن إيماناً كاملاً، أن الطرح الفكري يجبُ أن يُحترم مهما اختلفنا معه. ولكن كل قوانين الأرض - أيضاً - وأعراف الإنسانية، تضع للحريات حدوداً لا يمكن تجاوزها بحال من الأحوال، وسنام غاية هذه الحدود مُراعاة مشاعر الآخرين وثوابتهم، التي هي أحد الأسس التي تتكئ عليها ألف باء (القيم الإنسانية) التي يدّعي كثير من المحسوبين على الاتجاه الليبرالي المتطرف هذه الأيام بأنه يؤمن بها ويُدافع عنها. وهذه بالمناسبة مفارقة فكرية تثير من الشفقة أكثر مما تثير من الاستغراب، وتضعُ كثيراً من النقاط على الحروف حول مدى فهم هذا المصطلح لدى عدد غير قليل من الناجين من براثن الإرهاب والتكفير، فإذا كانت تهمك مشاعر الإنسان كما تقول فكيف توفق بين منهجك الإنساني الجديد من جهة، ومن جهة أخرى امتهانك لمشاعر هذا الإنسان الذي تدعو إلى احترامه فيما ترفعه من شعارات؟. غير أن مشكلة كثير ممن قدموا من الضفة الأخرى للنهر، أعني من التطرف الديني إلى المعسكر الليبرالي، أنهم نزحوا إلى الجهة المقابلة بآلياتهم ذاتها، وبأمزجتهم المتطرفة، وبقلقهم النفسي، وبمستوى من (الأنا) المتضخمة وغير المبررة، ليصبحوا في مواقعهم الجديدة تماماً مثلما كانوا في مواقعهم القديمة، لم يتغير سوى الشعارات، فهناك هُم عالة على الوطن وهنا - أيضاً - هم عالة على الوطن. وهناك هم متزمتون وهنا أيضاً هم متزمتون. أما النتيجة فهي في الميزان النهائي واحدة، والخسارة وطنية بكل المقاييس.
وإذا كان التطرف الذي يتلبس بلباس الدين لا يُمانع في هدر دمك متى ما اختلفت معه، فإن التطرف الليبرالي لا يُمانع هو الآخر من إهدار قيمك وأحاسيسك ومشاعرك دون أي اعتبار للإنسانية التي يتبناها على مستوى الشعار. فالتطرف يبقى هو التطرف، هناك باسم (الجهاد)، وهنا باسم (الحرية)، أما النتيجة فهي ذاتها.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved