لسنا ممن يرى للنجوم والبروج موقعاً من نفسه ، ولاحظاً حسناً أو سيئاً في حياته ، ولكننا بفضل من الله موحدون لله ، مؤمنون بالقدر خيره وشره ، وقد بنيت هذه الدولة على عقيدة التوحيد الخالص ، وفق المنهج السليم الذي سار عليه نبينا وحبيبنا محمد - صلى الله عليه وسلم - ، وترسّم خطاه صحابته الكرام.
ومع مطلع برج الميزان فقد مرّ على المملكة العربية السعودية أربعة وسبعون عاماً ، من الوحدة والتئام الشمل والترابط الحكومي الشعبي ، فكانت وحدة للقلوب والمشاعر ، ووحدة قضت على النزعات والفرقة.. فكانت نعمة لا تعدلها نعمة ، وفضل من الله يجب أن يذكر فيشكر.. وبالشكر تدوم النعم ، وبالتنكر والجحود زوالها.
فقد هيأ الله للأمة في هذه الجزيرة ، قيادة مخلصة صادقة مؤمنة برّبها ، مهتمة ومضحية في سبيل مصلحتين الأولى مقدمة على الثانية والثانية تأتي تبعاً إذا صدقت النية وخلص العمل : جاء الملك عبد العزيز - رحمه الله - مع بزوغ فجر يوم الخميس 5 شوال 1319هـ مع نخبة من رجاله ، يعدون على الأصابع ، لكن إيمانهم بربهم ، وصدقهم في الهدف هو هاجسهم مستجيبين مع قائدهم الذي رسم في مخيلته هذين الهدفين : إقامة شريعة الإسلام وهي ما جاء عن الله ، وعلى لسان رسوله الكريم - صلى الله عليه وسلم - ، وجمع شمل الأمة بالقضاء على النزعات والخوف والفرقة ، وقد حقق الله الثانية باستجابة سريعة فالتأم الشمل وعم الأمن وذهب الخوف بحكمة القائد وصدق النية.
ولما كان الله سبحانه قد امتنَّ على رسوله - صلى الله عليه وسلم - وصحابته الكرام بقوله تعالى:{ وَاذْكُرُواْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } (26) سورة الأنفال ، فإن هذه الآية الكريمة ، ونحن نتذكر ما أفاء الله على هذه البلاد من وحدة الصف ، وإخلاص القيادة ، حيث استقرت الدولة ، ورسخت الأقدام في هذه المرحلة الطويلة ، رغم الرياح التي تعصف ، وأعمال الحاقدين المتربصين بالسوء ، ممن باعوا ضمائرهم لأعداء الله ، ووادّوا من حادّ الله ، وتخلوا عن دينهم ، فأغضبوا الله بذلك ، والحمد لله لم يفلحوا.
إذ منذ قامت تلك الدولة وثبت الملك عبد العزيز - رحمه الله - دعائمها بتوفيق من الله ، والرياح الهوجاء ، والقلوب المنطوية على الضعينة والحسد - وكل ذي نعمة محسود - تحاول بث السموم ، واستئجار الأيدي الملوثة ، لتنال بأي أسلوب من هذه الوحدة ، رغبة في بث الفوضى ، وإرهاب الأمة ، بشتى الطرق ، حيث يلبون رغبات أعداء الله وأعداء دينه ، في النيل من صرح هذه الوحدة ، والتأثير على التلاحم والمحبة بين الحاكم والمحكوم والتلازم بين القيادة والشعب.
وفي كل مرة ، يمرّ برج الميزان ، فإنما ليجدّد الشعب الولاء للقيادة ، وليجعل الجميع يربطون حالة بحالة ، حالة القيادة الأولى لأمة - محمد صلى الله عليه وسلم - امتن الله عليهم ، بالتكثير بعد القلة ، وبالإيمان بعد الكفر ، وبالنصر بعد تكالب الكفر مع اليهود في المدينة الذين خانوا الله ، وخانوا عهد رسول الله ، واظهروا تعاطفهم مع عبدة الأوثان ، في حرب لإطفاء النور الذي سطع على الجزيرة العربية ، ولكن الله متم نوره ، والتاريخ يعيد نفسه بنفسه مرة اخرى ، تربط تلك الحال التي نصر الله فيها حزبه وأظهر دينه ، فامتد هذا النور على المعروف ذلك الوقت في وجه الأرض ، بحالة سلّطها الأعداء على هذه البلاد ، وأعانهم بعض السذج المغرّر بهم : فكرياً وعلمياً ، فأعان الله القيادة بالتصدي لهم ، ووفق سبحانه الأمة ، بعد تضامنها والتفافها على القيادة : صدقاً وولاء ، بتتبع مآرب هذا الداء ، والوصول إلى منابعه.
فكانت نتائج تلك الجهود ، موفقة ومرضية ، مما يستوجب الشكر لله على ما هيأ ، وتأصيل الولاء مع القيادة : نصحاً وصدقاً وتعاوناً.. لأن يد الله مع الجماعة.. وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية.
وإن من يستعرض الأحداث ، ويتتبع زوايا التاريخ ، ليجد في تاريخ هذه الدولة ، حوادث كثيرة ، يحركها الأعداء ، يميناً وشمالاً ، وشرقاً وغرباً ، وتأتي بأسماء متنوعة ، وغايات متلوثة ، ويلتمس العدو من كان يظن به الصداقة ، ليكون مخلب قطّ ، يحقق للعدو من يتربص الشر ، ويتحين نقاط الضعف ، ليدس أنفه ، ما يريد مما يمس الدين ويضر بالقيادة ولكن من فضل الله أن كل ما وقع ، قد مرّ كما تمرّ سحابة الصيف ، ونرجو أن يكون هذا هو مصير كل عدو ، وكل صديق في لباس ولسان الصديق.
وإن مما يبهج النفوس ، ما نجده ونسمعه في كلام القيادة : السياسية للدولة ، والعلمية من فتاوى العلماء وكلماتهم ، من تأكيد على التزام ما أمر الله به ورسوله ودعوة إلى التمسك بشعائر الدين تطبيقاً وعملاً ، حتى نكون - بإذن الله - الأمة المنصورة التي أخبر عنها - صلى الله عليه وسلم -:(بأنهم على الحق ولا يضرهم من خالفهم حتى تقوم الساعة).
فإذا تذكرنا هذا مع هذه المناسبة ، وغذّيناه في أولادنا ، وأصّلناه في نفوسنا ، فإن الله لا يخذلنا ، ولا يجعل للكافرين علينا نافذة يدخلون منها ، تحقيقاً لقوله تعالى: { وَلَن يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً }.
وعلينا ألا تزيدنا الأحداث ، ومجريات الأمور من أقوال إعلامية ، وهجمات أو تهديدات ، إلا ثباتاً على ديننا ، وولاء ، والتفافاً على قيادتنا ، وتماسكاً مع علمائنا ، ودعاء مع ربنا ، فإن الدعاء مخ العبادة { وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ } ، وكان وعده سبحانه ، ونصره مؤزراً.
|