أن يحطم الفنان التشكيلي فراشيه.. أو يحلق رؤوسها فليس مستبداً.. وأن يمتهن الفنان طلي النوافذ والأبواب والحيطان فذلك أجدى مادياً.. وخشية أن يحمل فنانونا جرادل الأصباغ بدلاً من (البلتة) والفرش الناطقة.. وهذا أمر لا نتوقعه أو نتمناه.
وهنا أستميح جناب (الذوق الفني) إن قلت إن هذا الكساد الفني، هو عائد للذوق ذاته، ذوق الفنان في صدق تعبيره وذوق الناقد في استيعاب مبهمات اللون، وذوق المطلع في استحالة معرفة المرئي.
ومع أنني لا أشك مطلقاً في كساد سوق الفن التشكيلي، أو سوء هضمه لدى الكثير، إلا أنها مسئولية الفنان، الفنان ذاته هو القادر على ترويج أعماله، القادر على ترجمتها، والتعريف بها وهو المسؤول الأول عن تخلف الذوق الفني لدى جمهور الناس، إن رسالة الفنان لا تقف داخل إطار اللوحة وعمق تصويرها، بل تتعدى ذلك إلى بث روح الوعي في المشاهد وإبراز معالم الفن لديه، وما يؤديه ذلك الفن من دور كبير تجاه حضارة الأمم وتجسيد تاريخها.
لا ألوم الجمهور المشاهد وهو لا يحظى باليسير من اهتمامات الفنان لأن الفنان تناسى تجسيد واقع ذلك الجمهور، ولم يعبر عن آماله ولم يختط لمراحل حياته شيئاً يذكر.. معارض الفنان لا يشاهدها الجمهور الملوم بتأخر ذوقه، وعدم إدراكه للقيم الجمالية وإن حظي بذلك فلن يفقه من العديد من اللوحات سوى الإطار والاسم، أما المعنى فسيبقى غامضاً تجاه تخيلاته، بعيداً عن إدراك كنهه.
كثير من الفنانين يلجؤون لمسايرة المدارس الحديثة كي لا يتهموا بالعقم، والتقهقر الذوقي فيلجؤون إلى ذلك الأسلوب، وغالبيتهم لا يدركون ماهية تلك المدارس شكلاً وموضوعاً، فيوهمون ويهيمون، دونما ارتكاز، لقد شاهدت في أحد المعارض لوحة تعبر عن خليط ألوان متداخلة ومتنافرة، سميت باللون التجريدي، لم أحس فيها بأي قيمة فنية مع إلمامي المتواضع بالعديد من اللوحات التجريدية ذات المغزى، وذات الهدف إلا أنها كانت خالية من تينك الناحيتين، مجرد تجريد من الذوق الفني الذي لا يرتكز على فكرة معينة، وكأني برسامها ضمنها ببقايا ألوان، إن لم تكن نفايات أصباغ، دونما تركيز على هدف معين، حتى أشغل فراغات اللوحة، بل وضع مساحتها لونياً فقط، ثم خرج علينا بهذه التسمية الأسطورية، فهل هذا الأسلوب دليل وعي أم منتهى غباء.
إنني لا أستعيب فناناً يرسم بالطريقة الكلاسيكية التي تنكَّر لها روادها واعتبروها عاجزة عن مجاراة هذا العصر إلا أنها أجدى وأنجح من أن يتحول الفنان لمدرسة ونوع حديث دونما إلمام باتجاهاته ومراميه. علينا إذا أردنا أن نحلق بهذا الفن ونضمن له الرواج أن نبدأ من الصفر، أن نجسد معاناة الشعب وإرهاصاته، أن نصور واقعه ماضياً وحاضراً، وأن نسخر أعمالنا لخدمته، وأن نهيئ الفرصة للنظارة من ذوي المستوى العادي فرصة الاطلاع على تلك الأعمال، فذلك خير وسيلة نستيطع بها خدمة الفن التشكيلي، والتعريف به.
|