ليت شعري ماذا أقول؟ فالحيرة تفعمني.. لكن الغيرة تدفعني.. إن أزمة كأزمة شبابنا اليوم بانصرافهم عن تراثهم المجيد.. وإن اقبالا كإقبالهم على التوافه والترهات.. إن هذا وذاك هيجا أشجاني لأمسك اليراع مستعرضا جانبا ضئيلا من الحالة مذكرا في نفس الوقت لعلمي ان الذكرى تنفع المؤمنين.
إن تراثنا الإسلامي العربي تراث عظيم وبناء شامخ وضع لبناته الأولى سلفنا الصالح ورفعوه على أساس من التقوى والصلاح. وكان هذا التراث وليد جهد بذله أهله لينقلوه الى من بعدهم لقصد الافادة ونشر العلم، وهذ التراث لم يجئ عن طريق الصدفة أو حسن الطالع.. كلا.. إن ما بذلوه من عناية واهتمام وطلب للعلم واستزادة من المعرفة قد جعل لهم شيئا يسمى (التراث) وهم لم يصنعوه عبثا بل لقصد. ولعل نظرة واحدة الى مؤلفات علماء المسلمين الأفذاذ الأوائل كابن تيمية وابن القيم - رحمهما الله - نظرة واحدة تعطينا برهانا واضحا على المجهود الضخم الذي تمخض عن تلك الآثار الطيبة التي كانت وما زالت وستظل - إن شاء الله - هاديا للمستهدين ونبراسا للمستضيئين.
وهؤلاء العلماء الأجلاء قد استهدوا واستضاؤوا بنور الله - عز وجل - وبهدي محمد - صلى الله عليه وسلم - الرسول الأمي الأمين، أضف الى هذا أنهم كانوا مطيعين الله فيما أمرهم به مجتنبين ما نهاهم عنه. ولا غرابة؛ ففطرتهم السليمة وأذواقهم الصافية جعلت آثارهم سليمة صافية وكانت مصدراً مهما من مصادر نجاحهم في وصول أهدافهم وبلوغ الشأو الذي نراه اليوم بين أيدينا صرحا شامخا جبارا يشهد بجلالهم.
ثم ماذا يا سادة؟!
بعد هذه الخلاصة الصغيرة جداً جداً أعود الى موقفنا اليوم تجاه هذه التركة الهائلة، واقول: لقد ضيعناها.. تضييعا. ورب قائل سيقول: ولكن كيف ضيعناها؟
أقول: إننا ضيعناها لا بهدم صرحها ولا بإحراق سجلاتها أو تمزيق أوراقها؛ فالمطابع - والحمد لله - تنشر، والألسنة تقرأ. إنما تركناها وراء ظهورنا ويمّمنا وجوهنا نحو غيرها.
أحمد بهكلي |