في أقل من قرن من عمر التاريخ، استطاعت المملكة أن تتبوأ مكانة المستوى ليس فقد على خريطة الواقع العربي، وإنما أيضاً على الخريطة الدولية بشكل عام، وهذا لم يتحقق مصادفةً بحكم التحولات التاريخية التي تمر بها الأمم والشعوب، ولكنه تحقق بمعايير بالغة الدقة وضعها الملك المؤسس - طيِّب الله ثراه - فصناعة التاريخ تأتي من فاعلية صناعة الأفذاذ الذين يعيشون حاضرهم بعيون ثاقبة تتطلع للمستقبل وتستشرف القادم من الأيام، وقد أثبت المؤرخون بالدلائل والبراهين أن ما قام به الملك عبد العزيز آل سعود - رحمه الله - إنجاز يعد الأهم في التاريخ العربي الحديث، ففي الوقت الذي كانت فيه معظم الأقطار العربية تعيش تحت وطأة الاحتلال، وتعاني من واقع مر على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية استطاع صقر الجزيرة العربية أن يسترد ملك آبائه وأجداده ويأخذ الجزيرة العربية كلها إلى مسار مختلف تماماً ليدخل بها إلى حقبة تاريخية مشرقة، وينتقل بها من سنوات الفوضى، والصراعات القبلية، ومنطق السلب والإغارة إلى سنوات الوحدة والبناء والنماء، ومنطق العقل والعلم والتوازن الاجتماعي، لقد خطط الملك الموحِّد لمستقبل المملكة تخطيطاً يدل عليه، ويشير إلى رجاحة عقله المتوثِّب نحو آفاق التوافق الاجتماعي القائم على الاحتكام إلى كتاب الله تعالى، وسنَّة رسوله الأمين، وهكذا كان الطريق واضح المعالم أمام أبنائه البررة الذين تولوا حكم البلاد من بعده، وعاماً فعاماً تشكَّل الكيان الشامخ قلعة حصينة يعم في أرجائها الشاسعة الأمن والأمان، وترفل في ثياب العز الوطني والاستقرار، إن الوطن ليس كلمة، وإنما هو سيرة عطرة تتجلَّى كلما أنضجت السنوات معناها الذي لا تحده حدود، وهذه صورة المملكة الآن في عيون أبنائها الذين سمعوا وقرؤوا عن ملامحها قبل التوحيد، وعايشوا ملامح تلك الصورة بعد نعمة التوحيد التي كانت غرسة فتية من يومها، واليوم اشتد عودها وأصبحت شجرة باسقة تملأ الفضاء، وتنشر ظلال الخير على القاصي والداني، وهكذا يأتي (اليوم الوطني) من ذاكرة التاريخ المشرق، تذكاراً لا يغيب، ولكنه يذكِّرنا بقيمة حاضرنا الذي صنعه لنا ماضينا، ولتعرف الأجيال الجديدة كيف أن الآباء والأجداد عاشوا فترات عصيبة لم تكن لتتبدل إلا بيوم مضيء كهذا الذي نتذكَّره الآن، ونحن في أزهى مراحلنا التاريخية إشراقاً في ظل حكم خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز وولي عهده الأمين الأمير عبد الله بن عبد العزيز، والنائب الثاني الأمير سلطان بن عبد العزيز والعائلة الكريمة، والحكومة الرشيدة، حفظهم الله جميعاً، نعم هذه هي صورة المملكة بعد اثنين وسبعين عاماً من العطاء المتجدد والبناء المستمر والنهضة المتكاملة، والسعي الدؤوب نحو التنمية البشرية التي تربط مصير المواطن بسلامة وطنه، وتربط ماضيه بحاضره ومستقبله، حتى يكون الإنسان السعودي مؤهلاً للدخول من أوسع بوابات المستقبل مرفوع الهامة، وقادراً على الوقوف الصلب أمام التحديات التي تواجهه وتواجه الأمة الإسلامية على كافة الأصعدة والمستويات.
|