بيّن صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز وزير الداخلية في كلمة تصدرت الكتاب الذي أصدرته وزارة الداخلية بمناسبة الذكرى المئوية لتأسيس المملكة العربية السعودية وتناول تاريخ تطورها الإداري.. بين حالة الفوضى والخوف والفقر والجهل التي كانت تعيشها البلاد قبل التاريخ السعودي المبارك.
وأفاد سموه أن هذه الظروف المضطربة أدت مجتمعة إلى تدهور أحوال البلاد الاقتصادية وتدني مستواها الحضاري وأصبحت تعيش بمنأى عن ركب الحياة المعاصرة مع تأثرها سلباً بالصراع الممتد بين القوى الدولية على مناطق النفوذ.
وشرح سموه أن القيادة الراشدة غابت خلال أدوار هذا التاريخ ولا سيما ما قبيل الدور الثالث المجيد الذي استأنفه الملك عبدالعزيز رحمه الله بتلاحم بين الباعث الديني والوعي السياسي بالمتغيرات في العالم والطموح إلى التقدم الحضاري بتنمية الإنسان وتأهيله.
وبيّن سمو وزير الداخلية أن من يتعمق في تحليل الأسس التي أقام عليها الملك عبدالعزيز هذا الكيان الحضاري يستنتج أنه رحمه الله كان سباقاً في إدراك أن العالم مقبلٌ على عصر الكيانات الكبيرة التي تتوافر لها مقومات البقاء والاستمرار مبرزاً سموه أهمها والمتمثلة بالاحتكام إلى منهج واضح يكون هو الحكم والفصل في كل شأن من الشؤون والتجانس والانسجام في المنهج بين العناصر المكونة لكل كيان والقدرة على الحفاظ على استقلال القرار في ظل وجود قوى دولية لها قدرات الاستمالة والاستقطاب والإملاء وترسيخ البناء الإداري والتنظيمي والمؤسسي وتطويره بما يجعله يتلاءم مع مستجدات العصر ويتفاعل معها بحيوية.
وخلص سمو الأمير نايف بن عبدالعزيز إلى القول ان الملك عبدالعزيز استطاع أن يقيم دولة عصرية ثابتة الأركان عزيزة الجانب تتمسك بالإسلام منهجاً للحياة مقدماً الدليل الحي على أن الإسلام دين ودولة وأن ما تحقق من انسجام وتوحد بين أبناء هذه البلاد ما كان ليتم إلا على منهج الإسلام الذي لا يعرف التحول والتبدل وما تعامل الملك عبدالعزيز مع القوى الدولية بواقعية وثقة إلا من خلال إيمانه الراسخ بهذا المنهج.
الوطن إرث مشترك
وقال صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز وزير الداخلية: إننا حين نستحضر ذكرى يوم تأسيس المملكة العربية السعودية يوم دخول الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه الرياض مؤسساً للكيان الذي نعيش ربوعه فإنما نستحضر تاريخاً عريضاً يمتد نحو ثلاثة قرون من الزمان تاريخ جهاد في سبيل إعزاز هذا الدين وتوحيد هذا التراب وتمكين شعب هذه الجزيرة ليحتل مكانه اللائق بين الشعوب.
وأضاف سموه أن الملك عبدالعزيز قد جاب الفيافي والقفار يحيط به من الرفقاء المخلصين وكانوا له ساعداً أيمن ونبضاً مرافقاً ليرسي القواعد من جديد، فقد وضع أيضاً أساساً لمؤسسات الوطن الذي بدأ.
واستطرد سموه قائلاً: وأحاط به أيضاً رجال مدوا أيديهم وتلقفوا يده الممدودة وارتفعوا بأنفسهم نحو هامته العالية ليؤسسوا بنير من قيادته مؤسسات وطن يجدد نفسه ويبث أملاً في روح أمته العربية بأسرها، ومضى سمو الأمير نايف بن عبدالعزيز قائلاً في حديث لصحيفة الشرق الأوسط التي تصدر في لندن عن المعاني التي تتجسد في مناسبة مرور مائة عام على تأسيس المملكة: إن الوطن إرث مشترك وبناء رفع آباؤنا بناءه لبنة لبنة يداً على يدٍ، وساعداً بساعدٍ إخوة كالبنيان المرصوص.
المؤسس ومنهج الدعوة
وفي ندوة (الدعوة في عهد الملك عبدالعزيز) التي نظمتها وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد وافتتحها صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز وزير الداخلية يوم السبت 21 صفر 1420هـ - 6 يونيو 1999م تحدث سموه عن اضطلاع المؤسس بنهج الدعوة ونشر العلم بين أبناء شعبه، وقال:
إن مجيء القائد الموحد الملك عبدالعزيز رحمه الله واضطلاعه بمنهج الدعوة ما هو إلا امتداد لسيرة السلف الصالح حيث سعى جاهداً الى واقع أفضل، ومناخ أنسب بكفاحه في نشر العلم، وبذل رحمه الله الحوافز مادياً ومعنوياً من أجل حفز أبناء شعبه على الانخراط في سلك التعلم والتعليم.. وتواصل هذا العطاء من أبنائه بعده حتى أصبحنا ولله الحمد ننشر التعليم والدعوة في كثيرٍ من البلدان الإسلامية، ونستقطب بعض طلبة العلم للدراسة في جامعاتنا، ونؤهلهم للنهوض بالدعوة في بلدانهم ونشر العلم الصحيح الذي عليه سلفنا الصالح.
وقال إن الدعوة إلى الله ترتكز على أسس منها الحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن والتسلح بالعلم النافع.. ونرجو من أمتنا المحافظة على هذا النهج القويم مع الأخذ في الاعتبار بأن أموراً عصرية معقدة شائكة استجدت، وفرضت على بلاد العرب والمسلمين من تلقاء سعة وجبروت التحديات العالمية، ونحن في هذا العصر لا نعيش وحدنا.. هذا يعني عظم مسؤولية الدعاة إلى الله حتى ينطلقوا من رؤية إسلامية عالمية رحيمة حصيفة.. ومن ثم نتذكر معنى الدعوة إلى الله على بصيرة، ومعنى التبصر في حجم القدرات والمعوقات، فتكون لنا معادلات ذكية بين جلب المصالح ودفع المفاسد لنحقق التوازن بين القدرات والمعوقات، وذلك هو صمام الأمان - بإذن الله - ونحن بحول الله على هذه السنة عاملون ومتواصلون ومؤكدون أن الدعوة في هذه البلاد لن تنفصل بأي حالٍ من الأحوال عن السلطة التنظيمية التي قامت باجتهاد العلماء وخبرة ذوي الاختصاص وأصبح الالتزام بها واجباً شرعياً لوجوب طاعة ولي الأمر ولأنها عن علم شرعي وخبرة تخصصية.
الملك عبدالعزيز رجل دعوة
ثم جرى حوار مفتوح مع سموه والدعاة المشاركين في الندوة تحدث فيه صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز وزير الداخلية عن جلالة الملك عبدالعزيز آل سعود - رحمه الله - في مجال الدعوة قائلاً:(إن الملك عبدالعزيز كولي أمر وكرجل دعوة قد تحدث في كل أمر من هذه الأمور، ولعله من المفيد للجميع أن يطلعوا على كل ما قاله الملك عبدالعزيز حتى يدركوا أنه لم يترك جانباً من الجوانب إلا وعالجه في أمور الدين للرجال والنساء).
وأضاف سموه يقول:(والحمد لله أن الملك عبدالعزيز وهذا فضلٌ من الله عليه أنه تابع وليس مبتدعاً وكذلك أنه لا يمكن ولم يحصل أن حرم حلالاً أو حلل حراماً، فدين الله معروف وسنّة نبيه عليه الصلاة والسلام معلومة لدى الجميع).
بطلٌ صابر
وقال صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز وزير الداخلية عن والده الملك عبدالعزيز:(إن الذين كتبوا تاريخ جلالة المغفور له وسجلوا بطولاته هم أشخاص اختصوا في دراسة التاريخ والبحث عن الحقائق بتجرد، وسيرة الملك عبدالعزيز عندما يتصدى لها العديد من المؤرخين بالبحث والدراسة فإنما يحاولون أن يبرزوا جوانب عدة في حياته كبطلٍ صابر وكافح ونجح، فلم يثن عزيمته قلة ما معه من عتاد، ولا تردد في إنفاذ مسيرته الفذة رغم قلة العدد في الرجال، ولا أوقفته الاستحالة عن اجتياز الفيافي والجبال، بل اندفع بقومه وقدراته المحدودة، مستمداً العون من الله الذي آزره، وقوة من إرادته حتى واجه التحديات المختلفة، وفرق الخصوم والحشود بلا خوف ولا تردد.. ولهذا فإن أي كاتبٍ من كتّاب التاريخ الذين عاصروا جزءاً من تلك الأحداث أو الذين أتوا بعدها لن يُطلب من أي منهم أن يكون ملماً أكثر أو كاتباً أفضل).
|