في مثل هذا اليوم من عام 1963 وقَّعت كل من أمريكا والاتحاد السوفييتي وبريطانيا على معاهدة لحظر إجراء المزيد من التجارب النووية في البر والبحر والجو، وقد ازداد حجم التلوث الإشعاعي خلال الخمسين عاماً الماضية، فبعد أن كانت مصادر الإشعاع مقصورة على الأشعة الكونية والمصادر الطبيعية الأخرى، مثل الأشعة المنبعثة من الصخور والأشعة المنبعثة من العناصر الطبيعية، مثل البوتاسيوم، تدخلت يد الإنسان لتضيف كماً من الإشعاعات التي لوثت الهواء والماء والغذاء، واتضحت خطورة الإشعاعات الذرية بعد عام 1940، حينما اكتشف الباحثون والأطباء العلاقة بين تعرض النساء الحوامل للأشعة السينية وحدوث تشوهات للأجنة.
ويعتبر الانشطار النووي وإنشاء أول مفاعل نووي في عام 1942 هما البداية الحقيقية لتلوث البيئة بالإشعاعات النووية, ولقد ازداد حجم هذا التلوث على اثر إنتاج الأسلحة الذرية, وذلك في نهاية الحرب العالمية الثانية, وما أعقبها من حروب وانفجارات نووية, حيث شهد العالم في الفترة ما بين 1945 إلى عام 1963 نطاقاً واسعاً من تجارب الانفجارات الذرية, ولعل انفجار قنبلة هيروشيما ونجازاكي وما خلفه من غبار ذري قد أدى إلى تلوث البيئة بالإشعاع وسبب الكثير من الأمراض والتشوهات والكوارث. وإذا كانت الانفجارات النووية تعد من أخطر مصادر التلوث الإشعاعي, فإن هناك مصادر أخرى أدت إلى زيادة حجم هذا التلوث, وتشتمل هذه المصادر على المفاعلات النووية وما ينجم عنها من تلوث إشعاعي بسبب استخدامها على نطاق واسع, وبسبب انفجارها في بعض الأحيان, مثلما حدث من تلوث على أثر انفجار مفاعل تشر نوبل النووي.
وتشمل مصادر التلوث على استخدام الذرة كمصدر للطاقة واستخدام النظائر المشعة في التجارب العلمية في مجال العلوم الطبية والعلوم البيولوجية, وتشخيص الأمراض وعلاجها إشعاعياً, بالإضافة إلى الإشعاعات الصادرة من أجهزة التليفزيون والكمبيوتر والأجهزة الإلكترونية الأخرى, وبعض الأجهزة الطبية وأجهزة القوى الكهربائية لأعمال وأبحاث الفضاء والطائرات.
وتنتقل المواد المشعة إلى جسم الإنسان عن طريق تلوث الغذاء والماء بالنظائر المشعة إلى جسم الإنسان أو الغبار الذري المتساقط على النباتات والحيوانات والماء, أو عن طريق استنشاق المواد المشعة أو الغبار الذري الملوث للهواء. وتكمن خطورة الإشعاعات في أنها تسبب إصابات وأمراضاً كثيرة وجسيمة للإنسان والحيوان, وبخاصة الأمراض السرطانية وأمراض الدم والجلد والنخاع العظمي والجهاز الهضمي والجهاز العصبي والجهاز التنفسي، بالإضافة إلى الأمراض الوراثية والتشوهات الجنينية. وحينما تفاقمت مشكلة التلوث الإشعاعي, تزايد اهتمام العلماء من مختلف دول العالم بالدراسات والأبحاث التي تختص بصفات المواد المشعة وكيفية انتقالها إلى جسم الإنسان, بالإضافة إلى دراسة أثرها الضار على الكائنات الحيَّة ووسائل الوقاية من هذا الضرر.
ومن أهم الدراسات التي أوليت عناية فائقة دراسة الصفات الطبيعية والكيميائية للنظائر المشعة, وكيفية تلوث الغذاء والماء والهواء بها, بالإضافة إلى دراسة تأثير الإشعاع الذري في الخلية وعلاقته بالأمراض وتأثيره في الصفات الوراثية، وهناك دراسات أخرى تعنى بالأسس البيولوجية للوقاية من أخطار الإشعاع, ودراسات تختص بتنظيم قواعد ووسائل نقل المواد المشعة.
|