لست مع الصامتين، ولا مع الذين يقتصرون في مشاركتهم بالمناسبات الوطنية على التمجيد والثناء، وإن كان لوناً من ألوان الوفاء، و(اليوم الوطني) يمر بنا كل عام، وقد لا نتذكره إلا من خلال وسائل الإعلام، والناس في بلادي لم يتعودوا على لغة الشعارات وهتافات الانقلابات، وإن كان حقاً عليهم أن يلهجوا بالثناء والدعاء لمن أنجز لهم هذا الكيان السياسي وأحكم صنعه.
وإذا كانت الخطابات الثورية تحلم بوحدة شاملة وتَعِد بها ويدعيها من لا يفتأ يفرق شمل أهله فإن الملك عبدالعزيز قد أنجز وحدة ماثلة للعيان دون أن يسبق ذلك بقول، وكأني به يردد: (ماترون لا ما تسمعون) لقد أنجز وحدة إقليمية وفكرية يَتَقرَّاها القاصي والداني.
ولو أن أبناءنا الذين ولدوا في أحضانها ولم يشهدوا مخاضاتها المؤلمة عرفوا أحوال أمتهم يوم أن كان الملك عبدالعزيز شاباً يتوقد ذكاء وحماساً في ملجئه في الكويت، ويوم أن عاد خالي الوفاض إلا من مشروعية فعله وحسن سمعته لكان لهذا اليوم طعم ونكهة لا يماثلهما شيء، لقد قضى ثلاثة عقود في معركة البناء يمده الناس بالسلاح والمقاتلين ويلتفون من حوله لأنه جاء على قدر، ولما ان لملم أطراف البلاد ووحد كلمة الأمة خلع لامة الحرب ولبس بردة البناء، فكان اليوم الوطني هو اليوم الفاصل بين معركة التكوين ومعركة البناء ويوم يفرغ فيه الملك عبدالعزيز ورجاله من مهمة شاقة ويتحرفون لمهمة أشق جدير بأن يقف الناس جميعاً لينظروا كيف أنجز هذا الكيان وما مراحل إنجازه، إنه يوم حقيق بالتذكر الإيجابي، ولن تتأتى الإيجابية إلا حين نسأل أنفسنا: ماذا صنعنا لهذا الوطن؟ وهل فرغنا لرد الجميل؟ لقد ظل وظننا يعطي ويعطي ونحن نرفل بحلل الأمن والرخاء.
وها هي الذكرى السعيدة تمر بنا والوطن يتعرض لاختراقات مؤذية بالسلاح والكلام، وكأن لسان حال البعض منا يقول لرجل الأمن ولحملة الأقلام الشرفاء: اذهبوا أنتم وحدكم وقاتلوا إننا ها هنا قاعدون.
أحسب أن هذا اليوم الاستثنائي يمر بظروف استثنائية ومن ثم فهو بحاجة إلى قراءة متأنية لتاريخ البلاد في أمسها يوم أن كان لا جيش ولا عتاد بل كانت عزمات مخلصة صادقة وإلى قراءة حذرة للأوضاع المحدقة بالأمة، والخروج بموقف موحَّد نضع فيه أيدينا مع بعضها. ينطلق الأستاذ إلى قاعته والعالم إلى منبره والإعلامي إلى محطته والصحفي إلى صحيفته والمفكر إلى صومعته لنقول كلمة واحدة: (العقيدة والوطن) منهما ننطلق وإليهما نعود لا نزايد ولا نقامر فهما وجهان لعملة واحدة فمن نال من أحدهما فقد نال من الآخر، وإذا كان آباؤنا قد وفوا للقائد الباني وأنجزوا معه هذا الكيان العظيم فلا أقل من أن نفي لقادتنا لنجتاز هذا المنعطف الخطير بأقل الخسائر وأيسر التكاليف وكل عام وأمة الإسلام بخير.
|