* مكة المكرمة - عبيد الله الحازمي:
ألقى فضيلة الشيخ عبد الرحمن بن عبد العزيز السديس إمام وخطيب المسجد الحرام وعضو هيئة التدريس بقسم الدراسات العليا بجامعة أم القرى بمكة المكرمة محاضرة كانت عبارة عن بحث تقدَّم به في ندوة الأمن الفكري التي نظَّمتها جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية بالرياض، وذلك في فندق أبرويه بالمدينة المنورة، وبرعاية كريمة من لدن سمو أمير منطقة المدينة المنورة صاحب السمو الملكي الأمير عبد الإله بن عبد العزيز آل سعود. والبحث بعنوان (دور الشريعة الإسلامية في تعزيز الأمن الفكري)، والندوة تبحث عن الأمن الفكري وخطورته وأهميته وضوابطه ومعوقاته وسبل تعزيزه وتحقيقه والحفاظ عليه.
وقد ترأس فضيلته الجلسة الأولى، وشارك عدد كبير من الباحثين المختصين ومن الخبراء والمفكِّرين، بحضور عدد كبير من المسؤولين ووجهاء وأعيان منطقة المدينة المنورة. وقد ذكر فضيلته في بحثه القيِّم أن تقدُّم الأمم وفخارها ومبعث أمنها وأمانها واستمرارها مرهون بسلامة عقول أفرادها ونزاهة أفكار أبنائها ومدى ارتباطهم بمكونات أصالتهم وثوابت حضارتهم وانتظامهم في منظومتها العقدية والفكرية ونوعيتها الثقافية والقيمية، ومن محاسن شريعتنا الغراء أنها جاءت بحفظ العقول والأفكار، وجعل ذلك إحدى الضرورات الخمس التي قصدت إليها في تحقيق مصالح العباد، كما جاءت بحفظ الأمن للأفراد والمجتمع والأمة. ومع أن الأمن بمفهومه الشامل مطلب رئيسي لكل أمة؛ إذ هو ركيزة استقرارها وأساس آمالها واطمئنانها، إلا أن هناك نوعاً يعدُّ أهم أنواعه وأخطره؛ إذ هو منها بمثابة الرأس من الجسد؛ لما له من الصلة الوثيقة بهوية الأمة وشخصيتها الحضارية، حيث لا غنى لها عنه، ولا قيمة للحياة بدونه، فهو لب الأمن وركيزته، وذلكم هو الأمن الفكري، متى ما اطمأن الناس على ما عندهم من أصول وثوابت، وأمنوا على ما لديهم من قيم ومثل ومبادئ، فقد تحقق لهم الأمن في أسمى صوره، وأجلى معانيه، وأنبل مراميه، وإذا تلوثت أفكارهم بمبادئ وافدة ومناهج دخيلة وأفكار منحرفة وثقافات مستوردة فقد جاس الخوف خلال ديارهم، وحلَّ ما بين ظهرانيهم، ذلك الخوف الذي يهدد كيانهم، ويقضي على مقومات بقائهم، لذلك حرصت شريعتنا الغراء على تعزيز الأمن الفكري لدى الأفراد والمجتمع والأمة، وكان لها قصب السبق في ذلك عن طريق تحقيق وسائل متعددة أسهمت في حمايته والحفاظ عليه من كل قرصنة فكرية أو سمسرة ثقافية أو تسللات عولمية تهز مبادئه وتخدش قيمه وتمس ثوابته.
والأمن الفكري لهذه الأمة يعني أنه يعيش أهل الإسلام في مجتمعاتهم آمنين مطمئنين على مكونات شخصياتهم وتميز ثقافتهم ومنظومتهم الفكرية المنبثقة من الكتاب والسنة، وتأتي أهميته من كونه يستمد جذوره من عقيدة الأمة ومسلَّماتها، ويحدد هويتها، ويحقق ذاتيتها، ويراعي مميزاتها وخصائصها، وذلك بتحقيق التلاحم والوحدة في الفكر والمنهج والسلوك والهدف والغاية.
|