كلنا مذنب، ولا شك أننا في أمس الحاجة أن نكفِّر هذه الذنوب التي أثقلت كواهلنا، وأثقلت مسيرنا إلى طاعة الله، وزادت من إخلادنا إلى الأرض، فصرنا نفكر بهذه الحياة الدنيا ناسين أو متناسين الحياة الأبدية، تلك الدار الآخرة التي قال الله عنها: {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ}. وما أنسانا تلك الدار إلا ذلك العلو والفساد الذي أُصيب به كل واحد منا، كلٌّ على حسبه إلا من رحم ربك!!! ولا ريب أن لكل شيء قنواته ووسائله وطرقه التي لا يتأتى إلا بها، لذا جدير بنا جميعاً أن نعي تلك القنوات والوسائل والطرق التي بها -بعد توفيق الله- نكفِّر تلك الخطايا وتلك الذنوب؛ لنسير إلى طاعته -جل وعلا- سير المفلحين والصالحين الذين لا ريب أنهم يخطؤون، لكنهم مع خطئهم وذنبهم سائرون سيراً متزامناً مع الأخذ بتلك القنوات والوسائل والطرق المؤدية إلى تكفير الذنوب وقبول التوبة من الله القائل: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ}.
ومن تلك الطرق والوسائل والقنوات، وهي كثيرة جداً، أن تتبع السيئة الحسنة!!! قد يتساءل أحدنا: وكيف لي أن أتبع السيئة الحسنة؟! نجد إجابة ذلك في قوله تعالى: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ}، وقوله صلى الله عليه وسلم: (وأتبع السيئة الحسنة تمحها).
ومن المكفرات للذنوب أيضاً العمرة؛ قال صلى الله عليه وسلم: (العمرة إلى العمرة كفَّارة لما بينهما). وإن العجب كل العجب في زهد بعض الناس في ذلك، فتجد أحدهم قد بلغ من عمره عتياً، أو على وشك ذلك، ومع ذلك لم يعتمر ولو مرة واحدة، ناهيك عن أدائه الحج، ذلك الذي قال عنه صلى الله عليه وسلم: (مَن حج لله فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه).
ومن مكفرات الذنوب أن تصلي ركعتين إذا أذنبت ذنباً؛ قال صلى الله عليه وسلم: (ما من عبدٍ يُذنبُ ذنباً فيحسن الطهور، ثم يقوم فيصلي ركعتين، ثم يستغفر الله إلا غفر له).
ومن المكفرات أيضاً أن تقول في ختام مجلسك كفارة المجلس؛ فقد قال صلى الله عليه وسلم: (مَن جلس جلسة فكثر لغطه، فقال قبل أن يقوم من مجلسه ذلك: سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك، إلا غفر له ما كان في مجلسه ذلك).
ولعلي أختم بذكر مكفر من مكفرات الذنوب زهد فيه بعض المسلمين، بل خرج علينا من يدعو إلى تركه وهجره، ألا وهو كثرة الخُطا إلى المساجد؛ فقد قال صلى الله عليه وسلم: (ألا أدلُّكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: إسباغ الضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط).
تلك القنوات والسبل والطرق المؤدية إلى مغفرة الذنوب التي ذكرْتُها لا ريب هي من باب المثال لا الحصر، وإلا فرحمة الله واسعة، قال تعالى: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ}. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه: هلاَّ قابلنا ذلك الكرم الرباني بالتعرض لرحماته جل وعلا التي وسعت كل شيء وسعينا لها؟! إنه سؤال أرى من المناسب أن يُجيب عنه كل واحد منا بينه وبين نفسه، أليس ذلك أنسب؟!
|