القرآن هو روح الأمة الإسلامية.. وهو صانع حضارتها.. وباعث نهضتها.. وهو الذي يحمل بصمات أخلاقها وقيمها وإنسانيتها.. وبفضله تحول العرب من البداوة الى المدنية..ومن القبلية الى الأمة.. وهو النور الالهي الذي أضاء قلوب المؤمنين فأشربت تقوى الله، وحب الله، والأخوة في الله، والتضحية في سبيل الله.
أول آية حضّ على القراءة في كتاب الكون.. كتاب الخلق.. وسبر أغوار المعرفة.. واكتشاف المعجزة التي صنعت من النطفة إنسانا رائع الجمال.. عبقري الذكاء.. يعمر الكون بالعلم.. ويحييه بالإيمان..
يقول الله عز وجل: {أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا} (الأنعام: 122).
من هنا كان اهتمام المسلمين الأوائل بالقرآن حفظاً وفهماً وتطبيقاً، وبفضل كتاب الله عز وجل دانت لهم شعوب الأرض، فكان الفتح بعد الفتح، وكان النصر بعد النصر واتسعت جزيرة العرب، لتصبح الأرض كلها جزيرة للعرب والمسلمين، حتى قال هارون الرشيد للغمامة: اذهبي أنى شئت فإن خراجك راجع إلي..
هكذا عزّ العرب بالإسلام، وارتفعت رايات (لا إله إلا الله) في كل مكان.. وقامت دولة الإسلام قوية منيعة يهابها أعداؤها ويحسبون لها ألف حساب..
ويوم دار الزمان دورته.. والأيام دول.. وسنن الكون لا تتغير.. يوم دار الزمان وأقبل على المسلمين عصور نسوا الله.. ونسوا ذكر الله.. ونسوا كتاب الله.. وفتنتهم الدنيا بمظاهرها الكاذبة.. وزخرفها الفاتن.. البراق.. انقلب حالهم وتغير وتبدل.. واستطاع أعداؤهم أن يحيطوا بهم من كل جانب.. وأن يفرضوا عليهم ما يشاؤون من أفكار ومبادئ تتناقض مع مبادئ دينهم وأخلاق نبيهم.. فأصبحوا كالأيتام على مأدبة اللئام.
وهكذا يشعر المسلمون اليوم أنهم بحاجة الى ما يحيي نفوسهم.. ويثير فيها الحياة والقوة والأمل.. وما يبعث فيها الشعور بالثقة والطمأنينة والإيمان.. إنه كتاب الله عز وجل..
هو دستور الأمة ونبراس الدعاة والعلماء.. وهو الزاد الذي يحمله في قلوبهم أبطال الأمة وحاملو رايات الجهاد.
{إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً} (الإسراء:9).
{لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُّتَصَدِّعاً مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} (الحشر:21).
{إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} (يوسف:2).
هذا الكتاب العظيم تلوذ به الأمة الاسلامية عند الشدائد، فهو عدتها في مواجهة الملمات، وآياته تربط المؤمنين بعقيدتهم، وتشحذ هممهم، وترفع من معنوياتهم، وتعدهم بالقوة والعزة والنصر إذا صدقوا فيما عاهدوا الله عليه.
والقرآن زاد الدعاة، وينبوع المعرفة الذي ينهلون منه، وهو مائدة الله في الأرض، يفد إليها العلماء لتغتذي بها عقولهم وقلوبهم وأرواحهم، ليحملوا رسالة السماء الى أهل الأرض جميعا {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (آل عمران: 104).
{وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} (فصلت: 33).
{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً {45} وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُّنِيراً} (الأحزاب: 45 - 46).
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (خيركم من تعلم القرآن وعلمه). لذلك فإن رأسمال العالم الحق هو كتاب الله، وكلما تزود العالم بزاد القرآن وأثرى كلامه بخير الكلام وأحسنه ألا وهو كلام الله.. كان حديثه رطباً بذكر الله وكانت حجته مستمدة من كتاب الله.
من أجل هذا فإن التشجيع على حفظ كتاب الله وتلاوته وتجويده وتفسيره، عمل عظيم، يربط شبابنا الناشئ بمصدر الثقافة الإسلامية، والحضارة الإسلامية، ألا وهو كتاب الله.
وهذه المسابقات الدولية التي تقام في مكة المكرمة مهبط الوحي، وموطن الرسالة، هذه المسابقات التي تجري بإشراف وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، هي من أجل الأعمال التي تعمل على إيجاد أجيال جديدة تحمل كتاب الله في صدورها، وتتمسك بمبادئه وتعاليمه في حياتها.
( * ) مفتي جبل لبنان. |