لا يختلف اثنان على العناية الكريمة التي يحظى بها القرآن الكريم وأهله في هذا البلد المعطاء، ولا جدال على أن هذه المكانة العالية والعناية الفائقة محل الاغتباط والاقتداء من دول أخرى.
وهذه العناية بدأت واستمرت وتفاعلت عبر أئمة الدولة السعودية، وحتى عهدنا الزاهر، وما زالت تنمو وتزدهر عاما إثر عام، وعلى ذلك شواهد عديدة في كتب أهل التاريخ، وما تناقله الأجيال جيلا بعد جيل، فمن عناية أئمة الدولة السعودية بأهل القرآن، وما أورده ابن بشر في كتابه (عنوان المجد في تاريخ نجد) ما نصه عن الإمام عبدالعزيز بن محمد بن سعود - رحمه الله - (إذا مررت بأهل المحمل فادفع إليهم ألفي ريال، وادفع لعمالي في سدير ثلاثة آلاف ريال يفرقونها على طلبة العلم وحملة القرآن والمعلمين والأئمة والمؤذنين والفقراء واليتامى والمساكين).
كما أورد العديد من مؤلفي كتب التاريخ ما كان يقوم به أئمة الدولة السعودية الأولى والثانية والملك عبدالعزيز - رحمهم الله جميعا - باستهلال مجالسهم بآيات من كتاب الله الكريم ثم يشرح القارئ أو أحد المشايخ في التفسير، بل كان من أئمة الدولة من يتولى ذلك بنفسه، كما هو الحال للإمام سعود بن عبدالعزيز بن محمد - رحمهم الله - فقد كان يباشر - كما قال ابن بشر - التعليق على القراءة بل زاد على ذلك حين قال (فإذا كان بعد صلاة المغرب اجتمع الناس للدروس عنده داخل القصر، وجاء إخوانه وبنوه وعمه وبنوه وخواصه على عادتهم، ولا يتخلف أحد منهم في جميع تلك المجالس إلا نادرا ويجتمع جمع عظيم من أهل الدرعية وأهل الأقطار).
وتوالى هذا الاهتمام بالقرآن الكريم وعلومه وأهله، فيما بعد حتى عهد الإمام المؤسس الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه - فقد كان للقرآن الكريم وأهله شأن خاص لدى الملك عبدالعزيز في حله وترحاله، وفي حضره وسفره، فإلى جانب ما يحظى به أهل العلم في مجالسه وتقريبهم إليه والدروس التي تلقى في حضوره، وما يستهل به مجلسه من آي وذكر وموعظة، فقد كان الحال كذلك في أسفاره بل وحتى في حروبه ومغازيه، فقد كان هذا ديدنه، فقد كان بعض طلبة العلم يعلقون بكلمات وعظية عقب أداء الصلوات، بل وحتى في مسيرهم وهم على الرواحل، وممن اشتهر بالحديث والقراءة في ركوب الملك عبدالعزيز الشيخ العجيري، فقد كان من الرواة الحفظة الذي يقرأ عن ظهر قلب في كثير من الأحيان، كما روى ذلك من عايشوهم، وسجلته كتب التاريخ، ولم يشغله توحيد البلاد عن طلب العلم ومجالسة العلماء، وما أن توحدت المملكة واستقرت الأمور حتى سارع إلى طباعة كتب أهل العلم، وأوصى بذلك مجموعة من المشايخ داخل المملكة وخارجها لمتابعة موضوع الطباعة لتوزيعها ونشرها على طلبة العلم.
وسار على هذا النهج من بعده أبناؤه البررة سعود وفيصل وخالد، حتى هذا العهد الزاهر عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود - حفظه الله - ولعل أكبر الشواهد الملموسة مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف الذي قدم خدمة جليلة للقرآن الكريم وأهله وعنايته بالتفسير وتراجم معاني القرآن الكريم وغيرها من الشواهد الحية كإقامة جمعيات تحفيظ القرآن الكريم ودعمها، وافتتاح مدارس تحفيظ القرآن الكريم للبنين والبنات، وإقامة المسابقات القرآنية في المملكة كمسابقة الملك عبدالعزيز الدولية التي تضم أبناء الأمة كل عام في رحاب مكة المكرمة، ومسابقة الأمير عبدالله بن عبدالعزيز للعسكريين في الحرس الوطني، ومسابقة الأمير سلطان بن عبدالعزيز للجيوش العربية والإسلامية، وجائزة الأمير محمد بن سعود في الباحة، وتأتي كذلك جائزة صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز تأتي لتؤكد مكانة القرآن الكريم وأهله لدى ولاة الأمر - حفظهم الله تعالى - حينما يتم دعم حملة القرآن بالجوائز السخية، وهذه سمة أهل البلاد وولاتهم منذ ذلك الحين إلى العصر الزاهر عصر خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله - وقبل هذا حينما جعلوا القرآن الكريم مصدر الحكم يحكم به ويتحاكم إليه ويؤخذ بمنهاجه، وهذا من خصوصيات هذه الدولة المباركة.
أسأل الله العلي القدير أن يديم على هذه البلاد نعمة الأمن والأمان، وأن يحفظ لها ولاة أمرها، وأن يجزيهم خير الجزاء على ما يولونه لهذا الدين.
|