يحز في النفس انتشار كثير من البدع بين المسلمين، ومن ذلك ما نشاهده ونسمعه في ليلة النصف من شعبان من إقامة الاحتفالات والمهرجانات وإلقاء المواعظ والكلمات، ونقل ذلك على الهواء عبر القنوات، ويزعمون أن ليلة النصف من شعبان هي ليلة القدر، وليلة المغفرة، وليلة العتق من النار، وليلة الرزق، وليلة حياة القلوب، وغيرها مما زعموه ويستدلون على ذلك بأحاديث موضوعة لا تصح منها:
- حديث: (إذا كانت ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلها، وصوموا نهارها) أخرجه ابن ماجه برقم (1388) قال في الزوائد: إسناده ضعيف، لضعف ابن أبي سبره وقال فيه أحمد وابن معين: يضع الحديث. قلت: فهو موضوع. وقال ابن الجوزي: هذا حديث لا يصح. (العلل المتناهية 2 -71).
- حديث: (ليلة النصف من شعبان يغفر الله لعباده) رواه البيهقي والطبراني وقال الدار قطني: غير ثابت. وقال ابن الجوزي: وهذا لا يصح، فيه مجاهيل.
- حديث: (من أحيا ليلة النصف من شعبان لم يمت قلبه يوم تموت القلوب).
قال ابن الجوزي: هذا حديث لا يصح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفيه آفات. (العلل المتناهية 2 - 72). وقال الذهبي: هذا حديث منكر مرسل. (ميزان الاعتدال 3 - 308). وقال العراقي: حديث صلاة ليلة النصف باطل وأخرجه ابن الجوزي في الموضوعات. (تخريج الإحياء 1187).
وذكر العلماء أن الاجتماع لليلة النصف من شعبان بدعة. قال الحافظ ابن رجب: وأنكر ذلك أكثر العلماء من أهل الحجاز، منهم عطاء وابن أبي مُليكة ونقله عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن فقهاء أهل المدينة، وهو قول أصحاب مالك، وقالوا: ذلك كله بدعة. (لطائف المعارف، ص 263). وقال النووي: صلاة رجب وشعبان بدعتان منكرتان قبيحتان.
وأما اعتقادهم أن ليلة النصف من شعبان هي ليلة القدر فباطل باتفاق المحققين من العلماء، وأبطله ابن كثير في تفسيره سورة القدر. ويدل على ذلك قوله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ}؛ فنزوله في رمضان لا شعبان، ولو كان يسن الاحتفال أو تخصيصها بصلاة أو دعاء لفعله من هم خير منا: صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلنا فيهم قدوة حسنة. ولنحذر كل بدعة فهي ضلالة ولا نحضر احتفالاتهم ولا نجالسهم؛ قال الفضيل بن عياض: من جلس مع صاحب بدعة لم يعط الحكمة، وأحب أن يكون بيني وبين صاحب البدعة حصن من حديد. (حلية الأولياء 8-103).
(*) الأستاذ في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية. |