أي إنسان لو سُئل هل تريد أن تعود طفلاً؟ لأجاب نعم.. والسبب هو أن براءة الصغار تجعل الكبار يتمنون لو يعودون صغاراً.. وليس الحب للحياة أو الرغبة في استئنافها من جديد هو الدافع من وراء ذلك.. هذا هو الصحيح.. فالصدق في الاخلاص.. والاخلاص في الصدق.. هما سيدا عالم الصغار.. والكبار من خلال براءة الصغار.. وهم يرون ماضيهم على أصدق وجه وأخلص تمثيل ليس فيه مكياج.. ولا محاولات مصطنعة للبكاء أو الشقاوة.. إنما الأمور تسير على الطبيعة وهم بذلك يكونون قطارا ينقل الكبار الى الوراء عشرات السنين.. حيث يعكسون تصرفاتنا وممارساتنا، ويصورون لنا أفعالنا وأعمالنا ونوايانا المتعرجة في شيء من البساطة والصدق.. بحيث يفرضون علينا ان نبتسم.. ويرغموننا على الضحك.
هؤلاء الصغار يعيشون عالمهم الصغير داخل الأحياء الصغيرة، ويحوِّلونها بحيويتهم الى مدن كبيرة، عواصم تحف بالنشاطات المختلفة، وهي نشاطات فيها من الابداع وروعة التقليد ما يستوقف الكبار، ويرغمهم على المشاهدة بين أزقة الاحياء بعد كل خطوة وخطوة وعند كل جدار وجدار.. هنا يلعبون مباراة في كرة الطائرة، وهناك يمارسون مباراة في كرة القدم اللعبة التي لها في اهتمامهم نصيب أوفر.. تماما كالكبار.. انه التقليد عند الصغار، والتصوير البارع لما يعيشه الكبار.
قبل أيام فرض عليَّ ان أشاهد مباراة ختامية في كرة القدم بين فريقين من الصغار، وكانت المباراة على كأس في حجم (بيالة) الشاي، تركت التزاماتي جابنا ووقفت أمتع نفسي ولمدة ساعتين عند باب حانوت يقبع في جانب من الشارع الترابي الذي حوَّلته إرادة الصغار الى استاد رياضي كبير عج بالجماهير من مشجعي الفريقين وسارت المباراة فيه وسط هتافات التشجيع وطبول المؤازرة وهي عبارة عن علب (نيدو) فارغة تماما كما نفعل نحن الكبار.
الشيء الذي لفت انتباهي في هذه المباراة هو اهتمام الصغار بالتنظيم الى درجة من الدقة تلفت النظر بقدراتهم المبكرة وشعورهم بأهمية المباراة.
وبسبب ضيق الشارع (الملعب) اضطر المنظمون الصغار الى جعل المنصة في منتصف الملعب وهي عبارة عن سيارة 69 كانت واقفة بالعرض أمام باب منزل صاحبها.. ولما كان لا حول لهم في بقائها ولا قوة في إبعادها حوَّلوا الجزء الخلفي منها الى منصة جلس عليها كبارهم وضيوفهم المدعوون لمشاهدة المباراة، وقد كان من المفروض ان يوضع الكأس على المنصة فوق شنطة السيارة, ولكن خوفهم من شقاوة بعضهم جعلهم يعدلون عن هذه الفكرة ويستثنونها من تنظيمهم ويسلمون الكأس لحكم المباراة فوضعها في جيب ثوبه، ومن شدة خشية الحكم على الكأس وخوفه الا يقع عليها وهو يجري خلف الكرة، كنا نراه وهو يلاحق الكرة ويده على جيبه والأخرى على فمه ممسكا بها الصفارة.
وقد كان الصغار يحركون الكرة ويديرونها في براعة قليلاً ما نجد مثلها عند الكبار، وقد بدأت المباراة في حوالي الساعة الرابعة وانتهت بقدوم الظلام الذي حال بينهم وبين رؤية الكرة، وكان الحكم كل ما همَّ بانهاء المباراة كان يعترض عليه لاعبو الفريق المهزوم وكنا نسمعهم يقولون لا تصفر حتى (نجيب) التعادل لتنتهي المباراة بأكبر تعادل (7-7).
فاروق بن زيمة |