تتجلى قيمة اليوم الوطني في كونه مناسبة لاستلهام تاريخ وطننا الغالي واستشعار القيم النبيلة التي تجسدت في التلاحم بعد الفرقة والتآخي بعد التناحر والاحتفاء بالنور بعد التخبط في الظلام، هذه العناصر الجوهرية في بناء المجتمعات المتحضرة ما كان لها أن تتجلى لولا توفيق الله ثم وجود شخصية فذة كشخصية الملك عبدالعزيز رحمه الله، الذي أدرك بعبقريته أنه لا خيار عن الوحدة ولا قيمة لهذه الوحدة ما لم يكن التركيز على بناء الإنسان السعودي الذي يمثل الأساس في البنية الوطنية، فعندما نتأمل ملامح التاريخ في هذا اليوم ليس فقط من أجل التباهي بمنجزاتنا وإن كان هذا أمراً مشروعاً، ولكن من أجل أن نستقرئ أبعاد واقعنا لنجعل منه بوابة مشرقة للأجيال القادمة لذلك فإنه ليس بدعاً أن تجعل حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز - حفظه الله- من أهم أولوياتها التركيز على المشاريع التنموية التي تُعنى بالمواطن وبما يمكنه من استيعاب المتغيرات الحديثة، وتعمل جاهدة على توفير الإمكانات الضرورية في شتى المجالات لجعل هذا المواطن عضواً فاعلاً في بناء وطنه.
ويأتي اليوم الوطني متوجاً بالآمال والطموحات التي أكدها حديث صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء رئيس الحرس الوطني، لتحقيق رفاهية المواطن السعودي من خلال توجيه الجزء الأكبر من فائض الميزانية للمشاريع ذات الأثر المباشر على حياة المواطنين، وعندما نتأمل حديث سمو ولي العهد نجد الاتساق بينه وبين تلك المنظومة القيمية التي أسسها الملك عبدالعزيز والمشار إليها سالفاً والتي تجعل من بناء الإنسان هدفاً لبناء الوطن من حيث التركيز على تطوير الرعاية الأولية، واستكمال بناء المدارس ودعم قطاع التعليم المهني والتقني وتهيئة السكن الملائم لكل مواطن من خلال دعم قطاع رأس مال صندوق التنمية العقاري، وزيادة رأس مال بنك التسليف السعودي.
وقد أدركت الدولة -أيدها الله- أهمية التنمية الإدارية باعتبارها إحدى الركائز الأساسية لتحقيق التنمية الشاملة، ومن أبرز الدلالات على ذلك ما تقوم به اللجنة الوزارية للتنظيم الإداري برئاسة صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع والطيران في تنفيذ المشروع الوطني لإعادة الهيكلة الإدارية لمؤسسات الدولة ونظام الموظفين الذي يلعب معهد الإدارة العامة دوراً أساسياً في إنجازه.
ولأن التنمية المادية لا يمكن أن تثمر بدون تنمية فكرية تضع الأسس والمنطلقات لنهضة وطنية صحيحة فإن الدولة - حفظها الله- لم تأل جهداً في هذا الشأن الذي تبلور في إنشاء مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني الذي أتاح الفرصة للنخب الثقافية التي تمثل أطياف المجتمع السعودي لطرح رؤاها بما يعزز التلاحم والانتماء الوطني الذي يقطع الطريق على تنامي الفكر الإرهابي وعلى مؤيدي التطرف الذين ما فتئوا يحملون معاول الهدم في زمن نحن أحوج ما نكون فيه لشحذ الهمم من أجل البناء، ومما نحمد الله عليه أن فلول الإرهاب قد يئست من أن تنال من وحدة هذا الوطن التي تزداد قوة بين القيادة والشعب كلما ألمت أزمة من الأزمات. ولعل ما يعزز هذه الوحدة توسيع نطاق قاعدة المشاركة الشعبية سواءً من خلال توسيع المشاركة في عضوية مجلس الشورى أو من خلال الانتخابات البلدية التي تأتي شاهداً على تطور المجتمع السعودي ومواكبته لروح العصر.
د/ عبدالعزيز العتيبي
نائب مدير عام معهد الإدارة لشؤون التدريب |