لو لم يكن هناك أدب ولا أديب يحيط المجتمعات ويرعاها بفنه ومقوله؛ فماذا ستكون الحياة بالنسبة إليها..؟ أتكون كالروضة الفيحاء المزهوة في خصبها ورحابتها ولكنها فقدت ثروتها الجوفية وعنصر بقائها المائي فأضحت مشوهة ظامئة تلفح وجوه الرائين وتصد قوافل المتطلعين.. إنها - بالطبع المحقق - ستكون خلواً من الطعم والمذاق، عبئاً ثقيلاً على الأنفس والمشاعر..!!
تلك - من القلم - حالة متخيلة جموح لم تمر طيوفها بالأعصر العربية الخالية منذ ما اصطلح عليه الأدباء والنقاد بالعصر الجاهلي ثم ما تلاه من عصور عربية مستنيرة كان للأدب والأدباء فيها شأن ومكانة وسلطان..
الأدب المعنيُّ - في هذا المقال - هو ذلك القول الصادق المعبر عن الحقائق الأدبية المدروسة والمتخيلة؛ المعبر عن الرغائب الإنسانية والاجتماعية المقبولة بأساليب مفهومة لا تعسير فيها ولا انحدار منها إلى سفوح المواقع المتآكلة التي لا حرارة فيها ولا شعور.. ولكنه تصوير مجوّد ينفعل للإنسان وينفعل معه وينمي ملكاته ومواهبه وحسه.. وأما الأديب فهو الأداة الناطقة المفصحة لذلك الأدب واليدُ الأمينة المحافظة - على ماضيه وحاضره ومستقبله -؛ هو ذلك الإنسان الناطق بأصدق المشاعر والصُّور؛ يترجم آمال أمته ومعاناتها ويتحسس خواطرها وانفعالاتها، وهو - كذلك في موقعه - يرعى الفن الأدبي ويحميه من التلوث والانتكاس، وهو الإنسان المطالب - بلسان الأدب وفئات المجتمع - أن يقوم بإفشاء التعبير المهذب وإزجاء النقد المصلح وإنمائه وشموله لكافة المجالات التي يُعنى بها الأدبُ بحيث يكون ثمرة بيئته وغرس مجتمعه..
ورسالة الأديب - كما يراها المختصون والمهتمون بالأدب - رسالة رفيعة المستوى قيمة المحتوى لها جلال ووقار ومكانة واعتبار.. والمجتمع الذي لا تتوفر فيه أقلام ناطقة من الأدباء والمفكرين هو مجتمع تنقصه الولاية والرعاية ويفتقد العناصر المسؤولة لتوجيه عقله وفكره و حسه ومستقبل حياته.. بل هو مجتمع يعيش في عدم ويتقلب في حيرة وظلمة.. ذلك بأن رسالة الأديب - الصادق الأمين - رسالة هدى وتوجيه لأمته ومجتمعه تدعو إلى الإصلاح و التقويم وإلى التربية والمعرفة والتجديد وإلى الوقاية من التخلف والجمود وإلى الاستقامة الفردية والجماعية بحيث يعمق - بفكره ومواهبه - كل سلوكه وعقله ومدارج حياته وعلاقاته وتراثه..!!
لقد قيل - من قبل - بأن الأديب: (هو الكاتب الذي يغني العقل الإنساني ويزيد ثروته.. هو الذي يؤدي فكرته أو رأيه في صورة دقيقة جميلة، ومن يخاطب الناس بأسلوبه الخاص ولكنه أسلوب الجميع؛ أسلوب حديث وقديم ولكنه صالح لكل زمان..).
وخاتمة القول وخلاصته؛ أن الأديب الناجح والناجع في عنقه مسؤولية وقيادة، وأن صدقه وإخلاصه شرطان مهمان لتأدية مسؤوليته وقيادته.. وإن لم يكن الأديب على مستوى رفيع من الولاء لأمته وإنسانيته وإنكار ذاته ومصلحته فإن الأدب سيتحول إلى لغو تافه، وإلى بؤرة مستكرهة يلفها الملق بروائه ويستحوذ عليها الفساد والإفساد وطمس الحقائق وسفك المشاعر والوجود الإنساني..!!
نستعيذ بالله - لمجتمعنا وأدبنا - من ذلك ونسترشده ونستهديه.
|