انتهى برنامج (سوبر ستار 2) بضَيْره (مع التأكيد على حرف الضاد) وشرّه، وأصبح لدينا في وطننا العربي (الحر) سبعة عشر عندليباً جديداً سوف يغرّدون فرادى وجماعات قريباً جداً في فضاء هذا العصر وما يشهده من فيديوكليبات ساقطة تقتحم بيوتنا عبر قاذفات البث الفضائي المستبد (دون إحم أو دستور) ، ثم تبدأ ببريقها الصاعق، وموسيقاها الصاخبة، وآدمياتها العاريات، تزغلل العين وتهاجم ما تبقى في النفس البشرية من فضيلة.
ومثل هذه البرامج تجد مَنْ يتعهدها ويتبنى مسؤولية إبقاء بريقها الإعلامي على مدار الساعة، فهي لا تنتهي إلا كمسابقة يلتقي فرسانها الأشاوس بأزهى الحلل وأبهاها وأكثرها إبرازاً لمفاتن أجساد المتسابقين والمتسابقات من خلال صالات غناء عربي راقص نالت من الرعاية والبذخ الشيء الكبير، ووسط جمهور تميّز بإتقان هزّ الوسط وتمييع الرقبة وطقطقة الأصابع، وأمام فريق حكام يعملون الليل والنهار في التحضير لأمسية أسبوعية ينتظر بثها الفضائي المباشر الملايين من أبناء العروبة والإسلام. أما بريقها وضجيجها (وبتوجيه غير خفي) فهو لا ينتهي مطلقاً، بل يتصاعد عبر وسائط الإعلام المختلفة القديمة والحديثة، ليستمر محلقاً أمام أعيننا وعلى مسامعنا صباح مساء وفي كل حين. على أية حال هذا الاهتمام الإعلامي ببرنامج (سوبر ستار) وأشباهه ليس بجديد أو مستغرب؛ فهو من جانبٍ يمثل مصدر دخل مالي لا يمكن الاستغناء عنه، ومن جانب آخر (وهو الأهم) يحقق الأهداف التي تسعى إليها رائدة الديمقراطية في عصرنا الحالي وهي مستعدة استعداداً تاماً ودائماً لبذل الغالي والنفيس في هذا الاتجاه، وفي مقدمة تلك الأهداف إقصاء عصب الأمّة (الشباب والشابّات) بعيداً عن قضاياهم الأساسية وإبقائهم حبيسي غرفهم يغوصون في مشاهدة ما يلبي هوى النفس من الضلالات.
بينما الجديد والمستغرب في الاهتمام الإعلامي ببرنامج (سوبر ستار 2) (تحديداً) أنه انطلق بكل قوة وبشكل مباشر لا مواربة فيه، نحو عمق القضية الفلسطينية، وراحت الصحافة (إلا من رحم الله) تزيّن صفحاتها الأولى والأخيرة بعبارات ماكرة خبيثة مستغلة وجود الشاب الفلسطيني (عمار حسن) بين المتسابقين؛ فواحدة تقول: (عمار دقروق نجم سوبر ستار يصرف أنظار الفلسطينيين عن معاناتهم اليومية) وهذا غير صحيح، وأخرى تقول: (اهتمام فلسطيني رسمي وشعبي ببرنامج سوبر ستار) ، وثالثة، ورابعة، وخامسة، وكلها تحمل مضامين تطعن الواقع المرير الذي يعيشه الفلسطينيون، وقد جاءت هذه العبارات مواكِبة للمرحلة العصيبة التي كان يعيشها الأسرى الفلسطينيون المضربون عن الطعام؛ أي في الوقت الذي كانت الحاجة فيه ماسة جداً وملحة جداً لإلقاء الضوء على معاناتهم.
والأكثر غرابة تلك النصيحة التي جاءت في حلقة التتويج والتي أطلقها مؤسس برنامج (سوبر ستار) ومهندسه وفيلسوفه الموسيقار إلياس الرحباني إذ طالب باعتماد الموسيقى في مواجهة الأعداء بدلاً من مظاهرة هنا وانتفاضة هناك، مستشهداً في ذلك بأن (سوبر ستار) استطاع أن يجمع حوله أبناء الأمة العربية من مشرقها إلى مغربها!
حقيقة! استوقفاني كثيراً تلك النصيحة وذلك الاستشهاد، ورحت أتأملهما بتمعن شديد، ومررت بالرصيد الذي يمتلكه العرب في مجال الموسيقى والغناء، فإذا به رصيد هائل جداً! قلت في نفسي تُرى هل يعني الرحباني ما يقول؟ ثم مرّت لحظات قصيرة أردت فيها تطبيق كلام الرجل وكما يقولون حلم الجوعان عيش وبدأت الأحداث تتلاحق في مخيلتي؛ الهدف: (تحرير فلسطين والعراق كمرحلة أولى من خارطة الطريق الغنائية ثم تأتي المراحل الأخرى تباعاً) !! (شعبولا) يقود مقدمة الجيش ويصدح بأغنيته الشهيرة (أنا بَكْرَه إسرائيل) والجماهير تردد من خلفه: (إيْه) ! و (أليسا) تحمل مشعل (أجمل إحساس) وتقود مَيْمَنَةَ الجيش وبعينين ذابلتين ناعستين وشفتين منتفختين مرهفتين تهمس قائلة: (إن لم يتمكن صدر العراق (مقتدى) من قهر الأمريكان فالويل لهم من صدري أنا) ! بينما تأتي (روبي) في قيادة مَيْسَرَةِ الجيش ترتدي زيها المستور وبالطريقة إياها تركب دراجتها وتغرّد أغنيتها العفيفة (ليه بيداري كده) ! وجمع غفير من المغنين والمغنيات يقذفون الأعداء بمختلف العيارات الغنائية القاتلة؛ (آه ونص!) تفتت الجدار العازل وتحوّله غباراً يعمي عيون الأعداء! ثم (أبوسه!) تتجه نحو المستوطنات فتقتلعها من جذورها! أما (البرتقالة!) و (اليوست أفندي!) فتسحران جنود الأعداء في العراق وتجعلهم دون وعي يلقون أسلحتهم فداءً لعيون الرقص الشرقي! ثم (زعلان؟ لأ... لأ) تلهب القوة النووية في ديمونة الصهيونية وتفجرها في أهلها! ومن هناك (من بعيد) تأتي قذيفة (أقول أهواك) منطلقة نحو العملاء (أذناب الأعداء) فتخطف أبصارهم وتذيبهم طرباً كما تذيب الشمس الجليد! إلى آخر تلك القذائف الفتاكة التي لملمت شمل الفلسطينيين ومهّدت لهم طريق العودة معززين مكرمين إلى ديارهم، وشرّعت أبواب الأقصى لاستقبال ملايين المسلمين الذي يتوقون شوقاً للصلاة فيه.
ثم تماديت في أحلام يقظتي وأردت أن أرى ماذا حلّ بشارون وعصابات صهيون! تحولت بنظري إلى حيث هم، فإذا بهم يهرولون ومن خلفهم بوش وبلير تاركين أرض فلسطين وأرض العراق وكلهم يتجه نحو البحر الذي قال (أحمد سعيد) (في عام النكبة) أنه سيقذف بهم فيه، إلا أن الرحباني لم يُرِد لهم الموت غرقاً (حرام! مساكين!) ، بل أراد أن يسحرهم بموسيقاه، فحلق في سماء الغناء العربي وأخذ يقذفهم بموجات أوتار العود والكمنجة والقانون ومختلف آلات الموسيقى! يا إلهي!! تلك موجة مزدوجة التركيب (فا) (صول) تخترق قلب شارون وتلقيه أرضاً فاقداً نبضه! وتلك موجة أخرى مزدوجة ولكن برأسين آخرين (دو) (ري) تخترق وجدان بوش وتشل حركته! وموجة ثالثة مشابهة تصيب بلير وتستقر في أذنيه فتجعله يدور حول نفسه كما المعتوه! وموجة رابعة مركبة ولكن هذه المرة بأربعة رؤوس هووية (دو) (ري) (فا) (صول) تصيب زعيم حزب شاس وتسحقه تماماً كما كان يريد سحْقَ الفلسطينيين الذين وصفهم بالثعابين!! لست أدري هل هذا ما يعتقده الرحباني؟!! إذا كان الأمر كذلك فأقترح عليه أن يعرض نصيحته على رموز المقاومة في فلسطين والعراق ولبنان وكافة الشعوب المغلوبة على أمرها التي تقدّم أبناءها ودماءها لاسترداد الأرض والحرية اعتقاداً منهم بالنظرية القائلة: (ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة) ، لعلها (أي النصيحة) تأخذ نصيبها من التمحيص، والدراسة، ومن يدري ربما التطبيق!!.. ولِمَ لا؟!
أما أنا فسأنتظر بفارغ الصبر برنامج (سوبر ستار في دوراته القادمة) وجميع البرامج التي تحوي كلمة (ستار) مثل: سيرتش، وأكاديمي، وما سيستجد لاحقاً، لكي أتصل وأعطي صوتي تارة إلى المتسابقين، وتارة أخرى إلى شعبولا!!، وأليسا!!، وروبي!!.
كاتب فلسطيني مقيم في الرياض
|