أعتقد أنه لا يخلو بيت من جهاز الكمبيوتر، لأنه أصبح بديلاً للقلم والكتاب في آن واحد، لكن الذي لم ينتبه له مخترع هذا الجهاز العجيب هو أنه لم يدر في خلده أن يمتطيه أناس من الإنس وعقولهم عقول الجن أو عقول المجانين بالأحرى، وكم من نعمة تحولت بتصرفات البشر إلى نقمة تحصد الأرواح والحياة وتجتث كل الفضائل الباقية عند البشر، فالسيارات التي هي نعمة حولناها بطيش منا إلى قاتل خفي أو معلوم لا فرق، وغيرها أشياء صارت ضرراً بدلاً من أن تكون خيراً.
تفتح الجهاز على أية (ساحة) من ساحات الكمبيوتر الكثيرة فترى العجب العجاب، فهذا موقع يدعو إلى الرذيلة، وذاك موقع يحاول أن ينشر الفضيلة، وكلاهما يجدان من يزورهما، لكن هناك مواقع ابتلاها الله بعقول لا تفكر إلا من أرنبة الأنف، ولا تتنفس إلى من منخر واحد فقط، وتلك العقول لها طرق تنساب منها إلى الساحات بشكل حبالة الصيد التي تدفن في الثرى لصيد الأسود والثعالب وكل ما دب على الأرض، فهم لا يفصحون عن أسمائهم أبداً، وهم جاهزون لقطع أعقاب البشر شدا وإرخاء، وهم يرمون بالفرية إلى أناس من بني جلدتهم ودينهم دون رادع من حق أو دين أو غيره، فتجده يأتي باسم مستعار ويبدأ في رمي التهم على المؤمنين والمؤمنات والغافلين والغافلات دون أن يعرف (أن يتبين) من جهالته وجهله، ومثل هؤلاء بعيدون عن الخلق القويم وقريبون ممن هم أهل الشر والنفاق وبذر الفتنة بين المسلمين عامة.
أغلب المواقع أو (الساحات) تفتري ولا تعتذر أبداً، فتجد فيها المتشدقين والمكثرين من البسملة والحوقلة وهم في نفس الوقت يرمون المحصنات بأوصاف لا تليق بشوارعي لا يعرف أدب الحوار، ويتجاوز شرهم إلى أمة ودين وخلق وحياة بشكل أكثر جهالة أو حقداً أو لا أدري ماذا أسميه، ومثل أولئك الذين يرمون رجماً بالغيب لم أجد يوماً أن ما قالوه في حق فلان أو فلانة من الناس صار صحيحاً أبداً، بل هم يلصقون التهم ثم لا يلبث الغوغائيون أن يستمروا في التعليق ولوك أخلاقيات المسلمين والمسلمات بأقلام تشم منها رائحة النفاق والكره والتعصب لعرق أو فرقة أو قرية أو غير ذلك.
رجائي الذي أوجهه إلى الداخلين في تلك الساحات هو أن يكونوا عرباً مسلمين، وأعني بذلك أن أخلاق العرب الأحرار لا ترضى بأن يلوك الرجل الحق سيرة غافلة من أخواته في الدين أو الوطن على مرأى من الناس، وألا يلفقوا أخباراً تضر العباد والبلاد دون أن يكون لها سند من الصحة، تلك هي أخلاق العربي الكريم والمسلم الحق، والترفع كان من أخلاق العرب، فزاد الإسلام ذلك تأصيلاً ونماء {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ}.
كثيرون وكثيرات تضرروا من كلمة أحمق أو جاهل على الإنترنت وهي ليست صحيحة، فهل هذا إرهاب من بعضنا، أم هو رهاب من المواجهة.
* فاكس 2372911
|