* خطبت فتاة من أبيها وهي في العشرين، فسألته: كيف هو؟
ثم خطبت وهي في الخامسة والعشرين، فسألته: من هو؟
ثم خطبت وهي في الثلاثين، فسألته: أين هو؟!
إن الفتاة زهرة وجمالها رأس مالها، والزمن قارض أبدي للفاخر من الفرص، لطالما جعل المسوف الغافل يصفق بالكفين أسفاً على فرص نادرة فاتت لم تُنل!
إن الربيع في بلادنا إذا أهلَّ ودع، وإذا برعمت شجيرات الربيع أزهرت سريعاً ثم ما تلبث رياح الصيف اللاهبة أن تعصف بها فتذوي!كانت الفتاة وهي في العشرين تسأل: كيف هو؟ الوسامة هي الشرط الذهبي!ثم في الخامسة والعشرين تسأل: من هو؟ النسب هو الشرط الفضي!
ثم هي في الثلاثين تسأل: أين هو؟
لا (الكيف) ولا (من) هو المهم؟ بل الآن (الأين)...
إنه طموح عالٍ تآكل مع الزمن، وذاب مع الأيام، فرص انقرضت، شروط صعبة فإذا هي مع قوارض الزمن سهلة جداً..قال رجل من جزيرة (بريطانيا) لرجل من العرب: لديكم في الشرق اثنتان تذبلان بسرعة: الشمس والمرأة!ما إن تغيب شمسكم حتى تُظلمون، وما إن تتجاوز فتاتكم العشرين حتى تذبل!
هل الزمن يخدم الطموح؟ أم هو يستخدمه؟
هل الزمن يُعطيك الفرصة، وهي عطاء الله، فإذا زهدت بها تجاوزك فلم يُلوح لك بها بعد!
تاجر رفض عروض بيع ممتازة فإذا هو بعد سنوات يتمناها فلا تُعرض عليه؟
وشاب جاءته فرص عمل جيدة ولكنه يرفضها طمعاً بفرص ذهبية ساكنة في خياله، فإذا الزمن يطوي وإذا الفرص المناسبة التي كانت تُعرض عليه تنقطع! وإذا خياله الذي ينسج الأماني لا يأتي بخير.!
لقد قالت أعرابية لولدها: بع يا بني بضاعتك بثاني سوم! فقال: يا أمي: ولماذا لا أبيع بالسوم الأول، فقالت: إن حظك لا يُدركه!أهي حكمة السنين وخبرتها؟ هل الفرصة التي تأتيك هي مثل أنواء الفصول إذا فاتك النوء فقدت فرصة البذر والغرس والقطف فيما بعد! هل الزهد بالفرصة، زهد بنعمة ورزق بعثهما الله لك، فتجاوزك الرزق حين لم يجدك مستقراً له؟
لا تقل لرزقك حين يُحلّق في أجوائك بغية الهبوط: كيف هو؟ ومن هو؟ تهيأ لرزقك، كُن مدرجاً ملائماً لهبوطه! إن لم تكن كذلك، فستسأل بعد حين من الزمن: أين هو؟.
صبروا على المطبخ
فاستطعموا طبيخه!
* هؤلاء الذين هربوا من قيظ نجد إلى أنهر سويسرا وشواطئ إسبانيا، أو أولئك الذين فروا إلى مصايف الشام وجبال لبنان يطلبون الهواء البارد والسحاب الممطر والجو النقي، لن يستمتعوا بخريف نجد كما نحن الذين صبرنا على قيظها اللاهب وحرارتها العالية. إننا ننظر إلى نجم سهيل اللامع قبيل الشروق كمبشر بالوجه الآخر لنجد، نجد الخريف والوسم، نجد التي تنتشي بالسحب والمطر والهواء البارد العليل، حين تطيب الصحراء وتعبر أسراب الطيور المهاجرة، ويتجهز أهل القنص، ويشد البدو رحالهم ومواشيهم إلى حيث مساقط المطر ومنابت العشب.
نحن الذين صبرنا على قيظ نجد، وحدنا الذين نحس بطعم خريفها ووسمها، لكن الذين رحلوا إلى غيرها يعودون إليها كأسراب الطيور المهاجرة، لقد أفسدت الديار التي تركوها مذاق نجد وروعتها، فطبيخها الجميل لا يستطعمه إلا من صبر على حرارة مطبخها..
شاعر له سنام جميل
* شاعر نبيل المشاعر، عف الأخلاق، يتذوق الكلمة كما يتذوق أطايب التمر، لا يلين معه الشعر إلا إذا طرق طروق الغزل! قلت له مازحاً: إن العرب تقول (لا صِبا - بكسر الصاد - بعد الخامسة عشرة، ولا صَبا - بفتحها - بعد الخمسين) وأنت أيها الشاعر اجتزت الستين مسرعاً! أين هو بحر المشاعر الذي تتبخر من محيطه غيماتك الجميلة هذه؟ أين هو الموقع الجغرافي للينبوع الثري الذي يُغذي مشاعر الغزل عندك!!فرد ضاحكاً: أتصدق أن صور وذكريات الشباب هي الكنز والذخيرة التي استمد من بحرها مدداً مغذياً لقصائد غزلي الجديدة! قلت له: إن لك أيها الشاعر سناما جميلا رائعا سيظل يمدك بالطاقة والري، كلما أوغلت في صحراء العمر! وآخر أضنته الآلام وأرهقته الديون فأسقطته على فراش المرض عليلاً، قال لي: إن مما ساعدني على تجاوز المرض حتى أبللت بلطف الله ورحمته، تلك الصور الجميلة التي أستدعيها من حياتي الأولى، إن من أيامي السعيدة في الطفولة، ثلاثة أيام عشتها بسعادة حين زرت أقارب لي في بلدتهم الجميلة لهوت ولعبت مع أطفالهم، أتذكرها وأعيش مع صورها وذكرياتها في مخيلتي فكأنني أعيشها حقاً فأحس بنفسي طعم السعادة التي كنت أحياها خلال تلك الأيام السعيدة، لقد كانت هذه الذكريات أفضل العقاقير وخير الأدوية لشفائي من علة الكرب التي مرت بي!قلت: لو علم الآباء بمردود سعادة الأطفال على خريف أعمارهم، لما تركوا فرصة سعيدة يُسعدونهم بها!!
الرجوع إلى الواحة!
* شاب عربي، أسمر اللون مفتول الساعد، عالي الهمة، يُنشئ مبنى هنا، ويتعاقد مع مخطط مبني هناك، تحتويه مدينة رشيدة طيبة يُنادى فيها للصلاة، ويُنهى فيها عن المنكر، وتُحفظ فيها حدود الله! وتمادت الهمة في هذا الفتى العربي الشاب وسمع عن مدينة بحرية هي شاطئ الطيور الجميلة المهاجرة تُغرد فيها بحرية، وتعمل على أرضها بملكية، وتستثمر المال بسرعة زمنية! فشد الشاب متاعه وسافر إلى تلك الناحية!وفقدناه بضع سنوات، وفي مساء يوم صائف اصفرت الشمس غائبة! أقبل على ناحيتنا رجل مليء الجسم يتحرك تجاهنا ببطء، وتأملناه على بطئه فإذا هو أصلع الرأس، كث اللحية، وحين اقترب من ساحة مجلسنا لم تخطئه الذاكرة، لقد كان الشاب العربي (سعيد)!واحتفينا به سلاماً وترحيباً، وسألناه بلهفة عن تغير حاله، وتبدل أعماله! فقال لنا والأسى يطفح على عروق جبهته: لقد تركتكم إلى المدينة البحرية، وهناك جمعت المال وبنيت العقار، واستثمرت الدرهم والدينار، كانت الحياة حرية فأبحرت في موج الحرية، وكسبت المال لكنني خسرت الدين والصحة والأخلاق!وتذكرت المدينة الصحراوية والواحة النخلية، ففئت إليها لقد عاهدت الله إن شفاني في ديني وبدني أن أبني له في بلدي مسجداً لأطهر آثامي وأبيض صفحتي وأجدد توبتي! الله المستعان ما أروع بلدتكم، يُنادى فيها الله أكبر، يؤمر فيها بالمعروف وينهى عن المنكر، وتُحفظ للشباب فيها عيونه وقلبه وسائر جوارحه، فينصرف لعمله، فيحفظ الله له دينه وماله وصحته وخَلْقه وخُلُقه، ليتني بقيت ما رحلت! وهأنذا أثوب وأتوب، أعود إلى الله بقلب يتمنى عليه أن يبيض بالحسنات بعدما اسودَّ من السيئات، فالرجاء بالله معقود والأمل في غفرانه وعد عليه مكتوب!
|