العراق وهاجس الحرب الأهلية

لم يغب هاجس الحرب الأهلية عن أذهان العراقيين أو أفكار الذين يتعاطون مع الشأن العراقي، فهناك دائما الخوف من هذا المصير خصوصا مع التردي المريع في الأوضاع الأمنية.. ولن يكون الأمر تطورا تلقائيا لما يجري حاليا في العراق، خصوصا إذا خلصنا إلى انعدام التلقائية في كامل المشهد العراقي المضطرب، فهناك الذين يصنعون الأحداث لخدمة مصالح معينة، وهناك من يحاولون احباط الانحدار السريع نحو مستنقع الفوضى الشاملة.غير أن الفتنة هي بند أساسي في أذهان بعض اللاعبين في هذه الساحة، والمصلحة الكبرى في الحرب الأهلية هي حتما لاسرائيل التي ثبت تعاطيها مع كثير من مفردات الشأن العراقي، خصوصا في الجانب التخريبي الذي يستهدف تجريد العراق من كل مقومات الدولة بما في ذلك العلماء والأفذاذ في تخصصاتهم مرورا بسرقة التاريخ من خلال الآثار والوثائق وغيرها، لكن اللمسة الأكثر تأثيرا تتمثل دائما في استدراج مختلف ألوان الطيف السياسي والطائفي العراقي إلى ساحة المواجهة من أجل اشغال العراقيين بكل معطيات حرب أهلية لا تبقي ولا تذر ويصبح جميع أبناء البلد وقودا لها.
غير أن الصورة لن تكون سوداوية، وهي لو كانت كذلك فإن ذلك يعني اسقاط العقل العراقي والوطنية العراقية والوعي السياسي العراقي من كامل ما يحدث، إذ إنه ورغم كل شيء فإن الإرادة العراقية تظل تشكل حضورا، ويعكس الصراع القائم حاليا أن هناك من يراهن على سلامة العراق وأنه يعمل من أجل ذلك وأنه قد يلجأ للسلاح للحفاظ على هوية العراق.. ومن المهم دائما أن يكون هناك وجود قوي لمثل هذا التيار الذي يدافع عن كينونة العراق كدولة ووطن قبل كل شيء آخر، أي قبل الهموم الذاتية المتمثلة في هذا التوجه السياسي أو ذاك..
أحداث اليومين الماضيين استوجبت انصراف الاهتمام إلى الاحتمالات السوداوية ومنها بالطبع الصراع الداخلي الذي قد يتطور إلى حرب أهلية، فاختطاف اثنين من العلماء السنة والعثور على جثة أحدهما في الضاحية الشيعية بالعاصمة بغداد يعني أن هناك من يريد أن يقول إن الشيعة اختطفوا الداعية وقتلوه، وفي الحادثة ما يحث على الرد، وهذا ما يقصد من هذا التدبير الممعن في السذاجة.. فقد اثبتت عدة وقائع اصرار السنة والشيعة على تجاوز مثل هذه (المطبات) بالوعي اللازم وبالادراك لما يراد بالعراق.. ولطالما التقى الجانبان وأظهرا وحدتهما في وقائع معينة اعتقد خلالها البعض أن ثمة فرقة تحدث بين الجانبين.
والمطلوب دائما الحفاظ على هذه الصيغة للتعايش والتأكيد عليها واظهارها كحقيقة واقعة وتعميقها وتوعية الأجيال بها لأنها صنو الوحدة العراقية المطلوبة دائما وابدا.