* مكة المكرمة - عمار الجبيري:
أكد سماحة مفتي عام المملكة رئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبد العزيز بن عبدالله آل الشيخ أهمية العلوم الشرعية وضرورتها لحياة الأمة، وحاجة الأمة المسلمة للعلم الشرعي، لأن الأمة عندما تفتقد هذه العلوم بين أبنائها تتحول من أمة ذات علم ودين إلى أمة جاهلة بعيدة عن الهدى، فلايميز الأمة ولا يبقي لها شخصيتها ومكانتها إلا إذا كانت علوم الشريعة موجودة بينها تنظم حياتها، وتحدد علاقتها بربها وبنفسها وبالمجتمع المسلم والمجتمع غير المسلم.
وأوضح سماحته في المحاضرة التي ألقاها مساء أمس بجامعة أم القرى بعنوان (دور العلماء في الإصلاح والدعوة إلى الله) أن العلوم الشرعية غذاء للأرواح والقلوب، وسبب لسعادة الأمة وقوتها وثباتها واستمرارية خيريتها {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } سورة آل عمران (110) وأن الخيرية التي وصفت بها هذه الأمة لا تكون موجودة إلا إذا كان لها على أرض الواقع مكانة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قوة الايمان بالله وإخراج الناس من ظلمات الجهل والضلال إلى نور العلم والهدى، وأن للعلوم الشرعية مكانتها وشأنها وأثرها ومنفعتها الدائمة في الدنيا والآخرة، كما أن العلوم الشرعية تنظم حياة الأمة، وتحكم بها بالعدل وتقيم عدل الله على الأرض، فلا يقام عدل الله إلا إذا جاء الحق بكتاب الله وسنة رسوله- صلى الله عليه وسلم- ولا يتحقق العدل والطمأنينة في حياة الناس إلا إذا وجد علماء الشريعة الذين حملوا العلم بحق ونشروه بحق ودعوا إلى الله وعلموا وفقهوا الأمة وصاروا بهم إلى الطريق المستقيم.
وأفاد سماحة مفتي عام المملكة أن المجتمع المسلم إذا فقد العلوم الشرعية تحول من أمة لها قيادتها وشأنها إلى أمة تابعة لغيرها مسلوبة عنها مكانتها وقوتها، وعندما يفقد الإنسان فقهه في الدين، وعندما ينصرف عن الدين إلى الدنيا، ويغرق في الشهوات والملذات ويقلع عن تكاليف الشريعة يتحول المجتمع إلى ما يشبه بهيمة الأنعام.. فأحكام الشريعة وبقاؤها والتفقه في الدين ضرورية للمجتمع المسلم، ويجب أن تتربى الأجيال على هذه العلوم الشرعية وعلى أحكام الشريعة ويفقه في دينه، ومعرفته بنبيه وربه، ويعلم أصول شريعته من الصغر إلى الكبر ويتدرج الأمر به مرحلة مرحلة إلى أن يطلع على موسوعة هذه الشريعة موسوعة الآفاق ذات العلم والخير التي حفظت لهذه الأمة كيانها ومجدها.
وأكد سماحته أن من أعظم أسباب ضعف الأمة فقدانها للعلم الشرعي لأن العلوم الشرعية والعلماء الصادقين هم الذين ينهضون بهذه الأمة ويحمونها من كيد الكائدين وحقد الحاقدين ونفاق المنافقين، مؤكداً أن على العلماء مسؤولية كبيرة وواجب عظيم، لأن الله شرفهم بهذا العلم وتفضل عليهم، وهذه نعمة تحتاج إلى مقابلتها بشكر الله، كما أن على العالم مسؤولية عظمى وهي بيان العلم والحق، وتوضيح الهدى لأن كتمان العلم مصيبة عظيمة، وعلى العلماء أن يكونوا قدوة صالحة لغيرهم وأسوة حسنة لهم في أعمالهم وفعالهم وأقوالهم وتصرفاتهم وأخلاقهم فإذا خالف العالم علمه، وصار العلم شيئا، والعمل والتصرفات والسلوك شيئا آخر فهذه مصيبة عظمى.
واستعرض آل الشيخ في محاضرته آثار العلماء في الإصلاح والدعوة إلى الخير، ووصفها بأنها آثار واضحة، فللعلماء أثر واضح في الإصلاح، ودعوة الناس إلى الخير، وتوضيح سبيل الهدى لهم وتحذيرهم من الدعوات المضللة والأفكار البعيدة عن الإسلام وأهله، وإصلاح لوضع المجتمع بدعوتهم إلى الله وتوضيح الحق لهم، وتحذيرهم من الباطل، وتحذير الغالين في غلوهم الذي خرجوا به عن منهج الله المستقيم واستباحوا به دماء الأمة وأموالها وأعراضها، وسعوا في إذلال الأمة وتسلط العدو عليها ، وتحذير الأمة من فئة جافية تريد تثبيط الأمة عن دينها، وتريد أن تقطع صلتها بربها، وتريد أن تفتح باب التهاون والتساهل بأحكام الله حتى تقع فيما تقع فيه.
وأكد أن الأمة تعيش في زمن كثرت فيه الضلالات وعظم العداء للإسلام وأهله وشبه المشبهون، وتحدث المنافقون، وتفوهت ألسنة من لا علم ولا دين عنده تارة سخرية بالشريعة وأحكامها وتارة بفتاوى بعيدة عن العلم والخير، وتارة بالدعوة إلى أنواع من الضلال ربما لبسوها لباس شيء من خير لكي يخدعوا بها الناس، ولذا لابد أن يكون للعلماء دور فعال في مواجهة هذه الأفكار ويدعوا إلى الخير ويأمروا بالمعرف وينهوا عن المنكر بإنصاف ووسطية صحيحة، ويصلحوا العباد بالعلوم الشرعية النافعة، ويكونوا خطباء وتكون خطبهم التي يعرضونها نافعة تعالج مشاكل العصر، وتتحسس مشاكل العصر وتأتي بالحلول المناسبة لأي مشكلة يعاني منها المجتمع المسلم.
وحث المدرس على تبصير الطلاب وتنبيههم وتحذيرهم من كل ما يخالف المنهج المستقيم بإقناع ودليل نقلي وعقلي لكي يقتنع أولئك، وتبقى في نفوسهم تلك العلوم الشرعية والتوجيهات القيمة، وأن يقوم الحق ويدعو إلى الحق مؤكداً أن مدرس الجامعة خير من يقود الأمة بالخير ويبصرها في مناهج حياتها ويحذرها من مزلات الاقدام.
وقال: إن العالم الكاتب في صحيفة أو معد برامج إعلامية لابد أن يتقي الله فيما يقول، وفيما يكتب، وفيما يرسم، وأن العالم في أي ميدان من ميادين الحياة لابد أن يكون في قلبه وعي سليم يدعو الأمة إلى الخير، ويصلح من أخطائها وأوضاعها، ويساهم بكل ما أوتي من وسيلة في إصلاح الأمة.
وشدد سماحته على أن بروز من لا علم عنده وتحدث من لاعلم عنده إنما يكون إذا تقوقع العلماء وانعزلوا عن ميادين الحياة، ورضوا بالعزلة والانكماش وتركوا الميادين إعلامية أو منبرية أو مدرجات جامعية، او نحو ذلك تركوها لناس لا يحسنون ما يقولون، ولا يتبصرون فيما يقولون مطالباً العلماء بألا يكونوا منزوين بل يكونوا واضحين بارزين ينادون للحق ويدعون إلى الخير بحكمة وبصيرة ورؤية ينظر فيها هدي محمد- صلى الله عليه وسلم- وسيرته العطرة في الدعوة إلى الله، ولابد أن يكون عند العالم رحابة صدر وأفق واسع لا يكترث من قول قائل ولا من جهل جاهل وسفه سفيه، بل يتلقى ذلك ثم يعالج الاخطاء بالصواب والحق الواضح حتى يستأصل الخطأ، ولابد للعلماء في هذا الزمن الذي كثر فيه الجهل وقلت فيه المعرفة ان يكون لهم أسلوب حسن وجذاب في تصور الاخطاء ثم استئصالها بالطرق السليمة المؤدية حتى يؤثروا على مجتمعهم، ولابد أن يعلم العلماء أن عليهم مسؤولية نحو مجتمعهم المسلم ليصلحوه ويهذبوا أخلاقه، ويقوموا سلوكه ويمتصوا الأخطاء، ويعالجوا الأفكار المنحرفة.
وأكد أن علاج الأفكار لا يكون بقوة، ولكن يكون بالمعالجة والمناظرة والمجادلة والانبساط داعياً العلماء إلى جمع الكلمة ووحدة الصف ليكونوا يداً واحدة في سبيل إصلاح المجتمع وأبنائه وأفكاره وأبعادهم عن الشائعات المغرضة والأفكار الهدامة.
وأوضح سماحته أن الثورة الاعلامية تركت أثراً على أفكار بعض أبنائنا سواء كانت تلك الثورة الاعلامية من خلال القنوات أو وسائل الاتصال عقدية فيجب أن نصحح المعتقد إذا سمعنا عن بعضهم تأثرا بعقيدة سيئة دعا لها من دعا لها، فلابد أن نسعى في تصحيح عقيدة أبنائنا ونبين لهم وننصحهم ونحصنهم فكرياً حتى يسلموا من التأثر، ولابد عند الاطروحات المختلفة ان نعالجها بفكر سليم.
وأعرب سماحته عن أسفه لما يطرح من بعض الأطروحات في بعض وسائل الاعلام التي قد تحسب على الأمة أطروحات خطيرة، وآراء شاطة بل هي أحياناً آراء إلحادية عند بعضهم هذه الأفكار السيئة يجب على العلماء أن يبينوا أخطاءها لأنها أفكار سيئة، ولابد أن يجعل للأطروحات المختلفة منهجا حتى نسلم من أن نحارب ثوابتنا ومسلماتنا، فإننا أمة مسلمة نحترم ديننا قبل كل شيء وأخلاق إسلامنا، ولا يمكن أن نسمح لأطروحة ما أن تثير ما يسمى بالاثارة فبعضهم يحرص على أن الاطروحة إذا كان فيها إثارة أن يؤتى بها ولو كان فيها هجوم على الدين والمعتقد، وهذا أمر لا يجوز اقراره بل يجب على المسلمين علماء وكتابا أن يبينوا ويوضحوا لأبناء الأمة أن هذه الافكار وطرحها بهذه الصورة أمر مشين، ومخالف لشرع الله، لأن المسلمين يجب أن تكون أطروحاتهم وآراؤهم موافقة للشرع، ما كل من عنده رأي يجب أن يسمح له بطره فبعض الآراء الشاطة التي يعتقد المسلم أنها تخالف الشرع وتتنافى معه فهذه لا يجوز أن نقرها، لأن هذه الأفكار السيئة قد يقصد قائلها كشف الحقيقة عن قائلها، لكن ربما يتأثر بها من يتأثر لقلة علمه يسمعها قليل العلم ضعيف البصيرة فيظنها حقا والواقع انها باطل وضلال.
ودعا الأمة إلى التلاحم والتماسك والالتفاف حول قيادتهم علماء وقادة لتكون الأمة يداً واحدة على من سواها، وأن يتقوا الله في أنفسهم ودينهم ومجتمعهم وأن يجتمعوا على كلمة متحدة الصف، وأن يعالجوا الأفكار الخطرة التي تصدر من بعض أبنائها، والاتصال بأولئك المفكرين، وبالذين عندهم شيء من الشطط والانحراف لتصحيح مفاهيمهم ونبين أخطاءهم، ونعالج أفكارهم السيئة والاجتماع بهم، ونبين أخطار ما قالوا وأخطار ما تصوروا فإنهم إذا كثر التناصح بيننا، واتصال بعضنا ببعض، والتحام بعضنا ببعض يكون ذلك سبباً في تقلص هذه الاخطاء وإبعاد شبحها عن مجتمعنا المسلم.
وفي نهاية المحاضرة أجاب سماحته عن بعض الأسئلة والاستفسارات الموجهة من الحضور.وتأتي هذه المحاضرة ضمن المناشط التوعوية التي تنظمها جامعة أم القرى خلال العام الدراسي الحالي.
|