يوفر إدراك حقيقة أن الدخول العالية الحالية التي حققتها الدول النفطية بسبب ارتفاع الأسعار ربما لا تستمر طويلاً حافزاً على التعامل مع فوائض الموازنات بحذر ، وفي الواقع فإنها تسمى فوائض مجازاً وإلا فإنها ليست كذلك ، ذلك أن انخفاض أسعار النفط الشديد والأعباء المالية التي تحملتها دول المنطقة خلال ربع القرن الماضي ، قد أجبرت على خفض الإنفاق على كثير من المشاريع التنموية واضطرت إلى تأجيل قدر آخر ، يضاف إلى ذلك الزيادة الكبيرة في أعداد السكان التي تقابلها زيادة مماثلة في مستويات الخدمات المقدمة ، ونتج عن هذه العوامل أن أصبح ما تقدمه الحكومة من خدمات لا يتناسب مع حاجة المجتمع وتطلعاته ، وما يحدث من دعم لمخصصات البرامج التنموية يساعد على إرجاع الأمور لما يفترض أن تكون عليه خاصة ، وأن المواطن يرغب في الحصول على خدمة أفضل ، وأصبح يوازن بين ما يوفر له من خدمات حالياً وما كان موجوداً في السنوات القليلة الماضية ، وليست العشرين أو الأربعين سنة التي خلت أو بما كان عليه الآباء والأجداد.
وتتعدد الخيارات التي يمكن توجيه فوائض الميزانية نحوها ، وكذا تفضيلات الأسر والأفراد داخل المجتمع تدفعهم في ذلك مجموعة من الدوافع والوقائع ، لكن من أبرز تلك الخيارات والتفصيلات إما إنفاقها على زيادة رصيد المجتمع من رأس المال الاجتماعي ، أو إنفاقها بشكل نقدي عن طريق زيادة الرواتب والمخصصات ، ومن الطبيعي أن يكون لكل خيار مؤيدوه ومفضلوه ، ويكاد يكون الأول هو الخيار الأنسب في الوقت الحالي لكون الشريحة المستفيدة والحالة هذه ستكون الأكبر ، ولأن هناك العديد من المشاريع المؤجلة التي تحتاج إلى التسديد.
وإنفاق فائض الميزانية بهذا الشكل إلى جانب أنه يعمل على الارتقاء بمستوى المعيشة ، نظراً لتوفيره الخدمات الحكومية بكمية ونوعية أفضل من ذي قبل في مجالات حيوية مثل الصحة والتعليم وبرامج الرعاية الاجتماعية والطرق والبنى التحتية بشكل عام ، فإنه يعمل أيضاً على تخفيف جزء من عبء الدين العام ومن القيود التي يكبل بها كثيراً من السياسات والبرامج التنموية المستقبلية ، إضافة إلى تخفيف عبئه عن الأجيال القادمة ، التي ربما ستكون متحملاً صافياً له.
وإذا كانت الاستحقاقات التنموية للمرحلة الحالية أكبر من أن يفي بها فائض الميزانية ، فإن السعي لتحقيق الاستخدام الأمثل له والتعامل معه على أنه دخل طارئ لا يأخذ صفة الاستمرار ، سواء عند إنفاقه أو صياغة الخطط والبرامج المستقبلية يظل أمراً لازماً.
على أن هذا لا يعني أن الأسعار التي كانت سائدة قبل الارتفاع الأخير يفترض أن تكون المستهدفة مستقبلاً ، بل إن الحديث يدور عن أن المدى المستهدف للأسعار يجب أن يكون أعلى من سابقه ، يدعم هذا التوجه سعر الدولار المنخفض حالياً ومطالبة بعض المؤسسات المالية بخفض سعره لحل مشكلة العجز التي تواجه الاقتصاد الأمريكي.
|