Wednesday 22nd September,200411682العددالاربعاء 8 ,شعبان 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "مقـالات"

حين تشبهنا المدن حين تشبهنا المدن
إبراهيم التركي

(1)
** في (غرناطة).. يتناقلون الرواية - التعويذة.. ويد إنسان تحاول الوصول إلى مفتاح.. فلا تصل.. ولو وصلت لانهدم قصر (الحمراء).. الذي استعصى على كل العُتاة والطُّغاة والبُغاة.. منذ أن ودّعه (أبو عبدالله الصغير) حاملاً معه رفاة أجداده..
** عبثَ به الزمن.. واللصوص.. والسائمة.. والتهديم.. والتفجير.. والحقد على الموروث الحضاري الإنساني.. مارسوه.. ويمارسُه غيرهم.. وربما رأينا فينا منْ لم يكفه هدمُ موروث الآخر فالتفت إلى موروثِه ليزيل أساساتهِ.. خوفاً من تصنيمٍ.. أو رغبةً في تحطيم.. أو سداً لإثم وتأثيم!
(2)
** تُلغى الذاكرةُ الجمعيّة للأمم بعشوائيّة الإزالات لأن طريقاً ستمر.. أو متاجر ستستقر.. أو منافع ستعبر.. ويتفرج (التاريخ).. وتزاح الجغرافيا..!
** يتردد الشباب على مبنى (الفيرجن).. ويملأون (ساحة النجمة).. ولا يدري أكثرهم أن (الحجارة) التي تطؤها أقدامُهم.. والمسميات التي تردها أبصارهم ليست هي (ويغان) و(فوش) ومبنى البلدية المجدّد، ومقر (النهار) المزجّج.. ففيها كان السور المحيط، وباب السراي العتيق.. حيث (مسجد منصور عساف) الذي لا يؤمه معشار من يرمون مدخراتهم على نادلي (لا توليه) و(السنترو) و(هاغن داز).. من أجل (فورن دونت).. و(كريب).. وفنجان قهوة..!
(3)
*إنه أجمل السفر
** ذلك الذي ينقلنا من موقف (المحايد) الذي يكتفي (بالفرجة).. و(المتعة).. و(الإنفاق).. إلى موقف (المتحيِّز) الذي يضيف إلى هذه (المتلازمات) الرغبة في الدخول إلى أعماق المكان.. وتفاصيل الإنسان..!
** نأْلف.. وقد نُؤلف.. في مسارحَ كثيرة.. ثم نبقى (غرباء).. (فالشونز) الباريسي، و(اكسفورد) اللندني، و(تايم سكوير) النيويوركي، و(سَنْ سِتْ) الهلوودي، و(فينا فيتو) الإيطالي.. مواقع اعتادت العبثَ بنا.. مثلما أدمنا العبثَ بها.. لكنها تتخلى عنا حين يغادرنا (الوقت).. فنغادر (المشاعر)..!
(4)
** ليس الحديثُ هنا متصلاً بسياحة صيفٍ تُمدُّنا بمشروع زاوية أو مرتكزات مقالة.. فقد قيل ما قيل.. لكنه (استقراءٌ) لما يمكن أن تصنعه (الإجازة) إذا ارتبطتْ بقراءةِ (المتغيرات) الثقافية التي تطرأُ على خارطةِ (التوجهات) الفكريّة حين يتيحهُا (منهج) لا نرسمه، وظروفٌ لا نهيِّئها..!
** في أزمانٍ متصلة ارتبطت بعض (البقاع) بالمُناخات المواتية للتفكُّر والتدبُّر.. وربما سرت (الاقتناعات) عبر الأجيال ليصبحَ ارتداءُ مقاساتِها عدوى يحسُّ بها مَنْ واراه صمت الصخب.. أو احتواه زحام الفراغ..!
(5)
** أتاح صيفُ (بيروت) استعراضاً لمعطياتِ الساحةِ (القلميّة) خلال السنوات التي تلت حرب الخليج وبلغت ذروتها عند (مفترق أيلول).. وكان من أبرزها تظاهرة إعادةِ قراءة التراث بشكل صارم يحاول تعديل اقتناعات وبعث تحولات..!
** كنا نعرفُ - منذ فترة التكوين - اختلافات الفقهاء حول كثير من القضايا الاجتهادية التي آذنت بفضاءات مفتوحة نشطتْ فيها (التعدديّة) عبر مدارسَ فقهيّة وفلسفيِّة وكلاميِّة متناقضة..!
** ليس جديداً علينا بحث مسائل (الإسبال) و(الموسيقى) و(غطاء الوجه) و(صلاة الجماعة) و(حلق اللحية) ونحوِها مما افترق فيه علماء الأمةَ فبسطوا أقوالهم.. ليتبع من شاء ما تطمئنُ إليه نفسه من (فتوى).. يدخل في حساباتِها ظروفُ المكان وتقديرُ الإنسان.. لكن المُشاهدَ (مؤخراً) هو إعادةُ بعث هذه المسائل وتضخيمُها لتصبح مدارَ حوارٍ لا ينقطع، وربما مثّلتْ مناطق خصوماتٍ لا تلين..!
** وعى بعضنا - منذ عقود - كتب الفقه على المذاهب الأربعة، وتناقل الناس - قبل ثلث قرن - آراء الشيخ القرضاوي في الحلال والحرام، ولم تثر غباراً.. وتلاه سواه ممن لم يكن آخرهُم الشيخ محمد الغزالي الذي تحدث عن خلافات أهل الفقه وأهل الحديث.. وإنما يقرر هؤلاء المتأخرون آراء المتقدمين دون أن يزيدوا عليها أو ينقصوا فيها..!
(6)
** يعرف الطالب الصغير محنة خلق القرآن، ومدرسة النقل ومدرسة العقل، وملابسات استشهاد عثمان - رضي الله عنه - وموقعتي صفّين والجمل، واستشهاد علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -، وتنازل الحسن واستشهاد الحسين رضي الله عنهما، وتوريث يزيد، ومعتقدات الجهمية والمعتزلة والصوفية والأشاعرة وغيرها..!
** لم تجىء هذه الموضوعات اكتشافاً جديداً، ليرى المتأمل في عناوين الكتب الصادرة خلال السنوات الأخيرة إصراراً على جعلها في صدارة الاهتمامات (النشريّة) ليتلقف الكثيرون أيّ كتابات تخرجُ عن السائد هنا وخصوصاً في قلبُ الجزيرة العربية..!
(7)
** هكذا جاءَ الصيف لنتفحص وجوه المدن.. ومدائن الحرف.. وليمتزجا عبر إصداراتٍ تضعُ - في مقدمة اهتماماتها - إعادة بعث هذه الاختلافات التي تبعثر العقل.. وتتخم واجهات المكتبات بروايات وحكايات سامَها ذوو الشبق وذوات السُّعار مِمنْ لم يعدْ في أفِقهم ما يشفعُ لانتشارهم سوى ارتياد الجسد..!
** في كتابه (سدنة هياكل الوهم.. نقد العقل الفقهي) - الموجه (أساساً) لمناوءة الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي- سعى الدكتور عبد الرزاق عيد لتحطيم رمزين إسلاميين كبيرين هما: عبد الله بن عباس وأبو هريرة رضي الله عنهم..!
*وأعاد الدكتور (رشيد الخيون) في كتابه (جدل التنزيل) نشر قراءة (الجاحظ) المعتزليّ لموضوع خلق القرآن، وأعاد معه إثارة موضوع اختلاف المصاحف، وإخفاء بعضها، والزيادة أو النقص فيها..!
** نموذجان من عشرات النماذج التي بدأت دور النشر تتفنن في طبعِها وعرضها، مخترقةً الثوابت التي تتجاوز الاختلافات الفقهية المحدودة لتزلزل الاقتناعات الراسخة، وترسم علامات استفهام تتجاوز (الشكل) إلى المضمون).. والمعاني الظاهرة إلى الضمائر المستترة..!
** هكذا نقف أمام معادلة فريدة، ففي (المدن) تشويه يطالُ (الوجوه).. وفي (الحروف) وجوهٌ تمارس (التشويه)..!
(8)
** كان الصيفُ فرصةً لتأمل (وجه المدينة).. و(قاع الحرف) حيث تتفاعل (جزيئاتُهما) في تكوينٍ عبثي لا يبدو وجهُه.. ولا نبلغُ قاعه..!
** لم تعد المدينة ذات ضفافٍ يسترخي فيها المتعبون.. كما لم تبقَ الكلمة جسراً يعبره الباحثون.. فأعيانا تجهمُ المدن، وهجمات المتكلمين..!
** ولم نعد ندري.. هل المطلوب أن نُودّع أحلامنا في الاسترخاء.. ووعينا في الاستقراء؟ وهل يكون البديل هروباً إلى قصيدةِ بوح على ضوءِ نجمة؟
** (المدن) - كما (نحن) - ضحايا الأمسِ (المقزّم) آنا.. و(الموءود) آنا.. حيث نعيش أبناء ذواتنا.. تلد المدن أنفسها.. وينبتُّ الحاضر من ماضيه، وينكر (الغد) أمسه، ونعيش دون خيوط أو خطوط. . لنجد المكان والإنسان بلا أرض ولا سماء..!
* لا غالب إلا الله..!


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved