تحدد إسرائيل ملامح السلام وفق رؤيتها القاصرة والمبتسرة للسلام، وهي تلجأ مباشرة إلى تنفيذ هذه التصورات على الأرض، ووسيلتها إلى ذلك في كل مرة هي القمع والاغتيالات، حيث الهدف تجريد الصف الفلسطيني ممن تعتبرهم إسرائيل متطرفين. لكن هؤلاء الذين يتصدون لإسرائيل يأتون من كل الفصائل، وكلما نفَّذت إسرائيل جريمة اغتيال ظهر آخرون في الصورة يتوعدون إسرائيل بالويل والثبور.
وفي التصورات الإسرائيلية أيضاً هناك مساحة كاملة يصرخ فيها مسؤولو حكومة شارون بالصوت العالي حول ضرورة إبعاد عرفات، قائلين: إنه العقبة الرئيسة أمام السلام. ويلاحظ هنا أنه يظهر بعد كل حين وآخر مَن تقول إسرائيل: إنه (العقبة الرئيسة أمام السلام). والأرجح أنها تتحدث -دون أن تدري- عن كامل الصف الفلسطيني الرافض للسلام المغلوط في رأسها الذي لا يتفق مع مقتضيات العدل.
فالفلسطينيون قد يختلفون، وهم كذلك تجاه العديد من الموضوعات، إلا أن إسرائيل تفشل تماماً إن هي اعتقدت أن هذه الخلافات تعني التخلي عن الثوابت، وهي ستفشل مثلما حدث لها ذلك كثيراً في اختراق الصف الفلسطيني، ومجرد ظهورها في المشهد للتدخل بين الفلسطينيين فإن ذلك يكون أدعى للتقارب بين الأشقاء.
وهكذا يبقى أمام إسرائيل أن تطلق أبواق دعايتها باتجاه ضرورة التخلص من عرفات، لكنها يجب أن تدرك أنها لن تحصل على الفلسطيني الذي تريد، خصوصاً في موقع قيادي مثل موقع عرفات، وربما أن أقصى ما تناله بضعة أناس من ضعاف النفوس يعملون كمرشدين للأهداف البشرية التي لا تكفُّ عن اغتيالها صباح مساء.
إن العقلية التآمرية لن تنتج فكراً سلمياً يستقطب الآخرين، وستظل إسرائيل تدور حول تصوراتها المريضة وأوهامها دون أن تحدث اختراقاً محسوساً باتجاه السلام، سواء أكان ذلك سلماً أم حرباً؛ فهي غير قادرة على طرح أفكار سلمية مقبولة بسبب طبيعتها كدولة معتدية تنتابها الشكوك تجاه الآخرين؛ لأنها تعتقد أن كل الآخرين على ذات الدرجة من العدوانية، بينما هم في الحقيقة طُلاَّب سلام، لكنهم لا يستطيعون في مواجهة إسرائيل إلا الظهور كمحاربين.
وحتى على صعيد العمل العسكري فقد برهنت الأحداث طوال أكثر من خمسة عقود على أنها لم تستطع إخضاع الفلسطينيين بقوة السلاح، وأنها كلما أمعنت في استخدام ترسانتها العسكرية المتفوقة أطلقت موجةً من الحماس في الصف الفلسطيني لتصعيد الحرب ضدها ومواجهتها بما لا تتصوره من أساليب نضالية لا قِبَل لإسرائيل بمواجهتها.
|