Tuesday 21st September,200411681العددالثلاثاء 7 ,شعبان 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "محليــات"

دفق قلم دفق قلم
الحذر من التزوير التاريخي
عبد الرحمن صالح العشماوي

سألني بلهجة مشحونة بالتضايق والشك والحيرة قائلاً : هل صحيح ما ورد في بعض كتب التاريخ عن مجون وفسق يزيد بن معاوية بن أبي سفيان ؟ ، وهل صحيح أن أباه معاوية ولاه الخلافة من بعده وهو يعلم بفسقه ومجونه ، وأجبر الناس على ذلك ؟ وهل تصح تلك الرواية التي تقول : إن معاوية دعا إليه ابنه يزيد وعاتبه عتاباً شديداً على إعلان وإظهار فسقه ، وقال له : الجدير بمثلك أن تكون صاحب ذكاءٍ وفطنة ، فما تجعل الناس يطلعون على ما أنت فيه من المجون ، أما يمكنك أن تكتفي بمجون الليل حتى لا يراك الناس ، وتظهر أمامهم في النهار بمظهر الاستقامة والصلاح ، ثم قال له :


انصبْ نهاراً في طلاب العُلا
واصبر على هجر الحبيب القريب
حتى إذا الليل أتى بالدُّجى
واكتحلتْ بالغمض عين الرقيب
فباشر الليل بما تشتهي
فإنما الليل نهار الأريب
كم فاسقٍ تحسبه ناسكاً
قد باشر الليل بأمرٍ عجيب
غطى عليه الليل أستاره
فبات في أمنٍ وعيشٍ خصيب
ولذة الأحمق مكشوفة
يعرفها كل عدوٍ غريب

ولم يكدْ ينتهي الشاب السائل من قراءة هذه الأبيات حتى احمر وجهه ، وتعالى صوت أنفاسه وقال : هل هذه الرواية صحيحة ؟ وكيف وردت في كتب التاريخ ، وما موقف الإنسان المسلم منها ومن أمثالها ؟ قلت له : هدّىء من روعك وهوّن عليك ، وحتى أريحك قبل ان ادخل معك في تفاصيل الموضوع أقول لك : كلاّ ، ليست هذه الرواية صحيحة على الإطلاق ، وإنما هي رواية مزورة مدسوسة من قبل بعض الحاقدين من الكتاب ورواة التاريخ على الصحابي الجليل معاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنه -.
قال لي الشاب منفعلاً : ولكن الأمر يحتاج إلى إقناع بدليل واضح ، فلماذا يسكت علماء المسلمين على هذا التزوير على مدى هذه القرون الطويلة ؟ وكيف نصل نحن الشباب إلى الحقيقة ؟
قلت له : استمع إلى الحقيقة بنفسٍ هادئة وقلب مطمئن فإنك ستجد شمس الحقيقة ساطعة أمام عينيك.
هل تعلم أيها السائل الكريم ان الأبيات التي ذكرتها سابقاً منسوبة في أول مرجع تاريخي ذكرت فيه ، وهو تاريخ ابن عساكر إلى يحيى بن خالد البرمكي الذي كان موجوداً بعد وفاة معاوية - رضي الله عنه - بأكثر من مائة سنة ؟ وان هذه الحقيقة تنسف القصة كلها ، وتؤكد لأهل الإنصاف أنها نُسبت إلى الصحابي الجليل أحد كتاب الوحي للرسول - صلى الله عليه وسلم - معاوية بن أبي سفيان زوراً وبهتاناً ؟ ، إذا علمنا بذلك وجب علينا ان نتوقف عن الخوض في هذه المسائل التي لا يتفق ما ورد فيها مع ما هو معروف مؤكد من إخلاص صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
نحن نؤمن أن الصحابة بشر يصيبون ويخطئون ، وان العصمة إنما هي للأنبياء ، ولكننا نؤمن ان أحدا من الصحابة لا يمكن ان يدعو إلى النفاق والخداع كما هو موجود في الأبيات السابقة ، ولو لم يثبت لدينا تاريخياً ان القصة مكذوبة مزورة لوجب علينا ان نرفع مقام الصحابة عن مثلها ، فكيف وقد ثبت أنها مكذوبة وأنها تتعلق بأبيات نُسبت في كتابٍ من كتب التاريخ إلى رجل بينه وبين وفاة معاوية - رضي الله عنه - مائة سنة ؟
لقد ابتليت فترات خلافة عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب - رضي الله عنهما - ثم فترة خلافة معاوية بين أبي سفيان - رضي الله عنه - بكثير من الدّس والتشويه والتزوير للحكايات والأخبار ، من قبل فرق انحرفت عن طريق الإسلام، ومؤرخين متعصبين لتلك الفرق ، ولهذا يجب على كل قارئ مسلم ان يتورّع عن المسارعة في تصديق تلك الأكاذيب ، وان يسأل ويبحث عن الحقيقة حينما يستمع إلى موضوع يصادم عقيدته ، ويخالف ما عرفه من العلم الصحيح المتعلق بحياة الصحابة جميعاً - رضي الله عنهم -.
وها أنتذا أيها السائل الكريم تفعل خيراً بتوجيه هذا السؤال ، وتعرف من الإجابة حقيقة هذه الأبيات المنسوبة كذباً إلى معاوية - رضي الله عنه - ومادامت هذه الأبيات بمعانيها المخالفة للإسلام قد نُسبت كذباً بهذه الصورة ، فما بالك بكثير من الأحاديث الباطلة التي رُويت عن ابنه يزيد ، بل عن كبار أصحاب رسوله الله - صلى الله عليه وسلم -؟
هذه صورة من صور التشويش على أجيالنا ، يقف وراءها قوم لعبت بهم الأهواء ، فما أحوجنا إلى مواجهتها بالتحقيق والعلم الصحيح.
إشارة :


ماذا أقول لربي حين يسألني
يوم الحساب إذا ما جئت اختصم؟


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved