في حديث صحفي لرئيس الحكومة العراقية المؤقته إياد علاوي في لندن قال: إن العراق أصبح ميداناً للإرهاب الدولي.
قول علاوي هذا يتطابق مع الحقيقة تماماً، وهو نتيجة لما كانت تهدف إليه القوى الدولية التي رفعت شعار حرب الإرهاب ك(يافطة) لاستراتيجية بديلة عن الحرب الباردة.
فعند نهاية الحرب الباردة إبان حكم الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريجن، كان أصحاب المصلحة في استمرار التوتر والمواجهة، وفي مقدمتهم شركات تصنيع الأسلحة والشركات المتعددة الجنسيات وأصدقاء إسرائيل، يبحثون عن (حرب جديدة) وعن عدوٍّ جديد يبنون استراتيجيتهم الجديدة لمواجهته. في البداية، ومن خلال نظرية صراع الحضارات، شخص الإسلام كعدوٍّ جديد، وأن المسلمين بدُولهم وتناميهم الذي بدأ يمتد إلى داخل المجتمعات الغربية هم ورثة (إمبراطورية الشر) التي كان يمثلها الاتحاد السوفيتي.
تشخيص الإسلام والمسلمين كعدو للحضارة الغربية اصطدم بكثير من الحقائق والمصالح، فالحقيقة التي يعرفها المفكِّرون الغربيون وساستهم هي أن الإسلام وأتباعه المنتشرين في كل بقاع العالم لا يمكن أن يُصنَّف عدواً لحضارة ما أو كتلة دولية، لسبب بسيط هو أن أتباعهم هم جزء من تلك الحضارة, فكيف يصبح عدواً لذاته، كما أن المصالح الغربية في العالم الإسلامي التي تحقق فوائد ومكاسب اقتصادية وتجارية وحتى سياسية ستتعرض للخطر إذ ما اعتبر المسلمون وبلدانهم عدواً للغرب.
وهكذا ظلَّ الحديث عن هذا الموضوع يعلو ويخبو حتى جاءت أحداث 11 سبتمبر لتُوفِّر فرصة ذهبية منتظرة للباحثين عن عدوٍّ وهمي جديد، وكون الجهة التي اتُّهمت بتنفيذ تلك الهجمات هي جهة إسلامية فقد تطابقت الأماني مع المخطَّطات والأفكار؛ ليُصاغ من كل ذلك ما يُسمَّى بحرب الإرهاب.
تحت هذا المسمى رُفعت يافطة كبيرة لمحاربة الإرهاب وفرَّت للمطالبين بعدوٍّ غرضهم، ولأن الحملة على الإرهاب ارتبطت وانطلقت بعد أحداث 11 سبتمبر، ولأن أصحاب فكر استحضار عدوٍّ للغرب كانوا جاهزين لتلقُّف الفكرة، أصبحت الحملة على الإرهاب موجهة، بل مقتصرة على الجماعات الإسلامية التي انتهجت أسلوب الإرهاب لتحقيق أهدافها.
هذه الجماعات، سواء استدرجت لما نُصب لها من أفخاخ أو أن استراتيجية مواجهة الإرهاب قد تطابقت مع خططها في مواجهة القوى المعادية لها، فإنها شكَّلت الضلع الثاني في تأجيج (الحرب العالمية الثالثة) التي تحمل عنوان حرب الإرهاب. ومع أن المسلمين جميعاً لم يكونوا راغبين في خوض مثل هذه الحرب والتورط فيها، بالرغم من شطط الجماعات الإسلامية التكفيرية التي لا يمكن نفي صفة الإرهاب عن أعمالها، إلا أن المسلمين أصبحوا رغماً عنهم طرفاً في هذه الحرب.. فالمسلم مشبوه.. وعدوٌّ محتمل أينما يحلُّ في النصف الغربي من الكرة الأرضية، بل وفي أقطار إسلامية. ومع أن المسلمين جميعاً دولاً وقادةً ومفكِّرين، بل والغالبية العظمى من المفكِّرين الغربيين، يبرِّئون الإسلام من تهمة الإرهاب، إلا أن التهمة أُلصقت بالمسلمين، وتوفَّر للباحثين عن عدوٍّ وهمي ما كانوا يسعون إليه لتتأجج حرب الإرهاب، التي وإن كانت محطتها الأولى أفغانستان إلا أن محطتها الثانية أصبحت أكثر دموية.. وأكثر تماساً.. وأكثر وضوحاً.
فالعراق المحطة الثانية لحرب الإرهاب مثل نقطة جذْبٍ لطرفي هذه الحرب.. وهو ما سنناقشه غداً.
|