Tuesday 21st September,200411681العددالثلاثاء 7 ,شعبان 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "مقـالات"

رياح الديمقراطية وأعاصير الإرهاب في روسيا رياح الديمقراطية وأعاصير الإرهاب في روسيا
جانبي فروقة

من يبدأ بالعنف يثبت عدم جدوى أفكاره والعالم لا يستجدي السلام العادل من تحت عباءة الحرب، والملف الشيشاني يحكي قصة جرح لم يندمل في القوقاز، فلم ترصد عدسة مصور أو قلم محرر مجازر القوقاز ووحشية الروس خلال الحرب الروسية القوقازية التي امتدت رحاها لقرنين من الزمن وطوى التاريخ كعادته بين غياهبه دراما فناء الكثير من شعوب شمال القوقاز وتهجيرهم القسري عن وطنهم الأم.
بادرت روسيا عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر إلى إعلان انضمامها وتحالفها ودعمها للحملة الكونية على الإرهاب بزعامة أمريكا التي اعتمد لها رئيسها بوش أضخم ميزانية عسكرية في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية ولكن تعريف الروس للإرهاب وطرق التعامل معه يختلف في الجوهر عن النماذج الغربية.
فالروس يتعاملون بشكل عسكري قمعي صرف مع القضية الشيشانية وهم يشنون حربهم الثانية الآن على الإقليم الجريح في شمال القوقاز، ويقطن الشيشانيون كباقي شعوب المنطقة منذ الألفية الميلادية الأولى الجزء الجنوبي من منطقة شمال القوقاز، وهي عبارة عن شريط من سلسلة جبال تمتد من البحر الأسود إلى بحر قزوين وتشكل حداً وفاصلاً طبيعياً بين أوروبا وآسيا، وقد أدمت أطماع الروس هذه الحدود خلال القرنين والنصف المنصرمين (شهدت فيها الشيشان وحدها أكثر من 25 ثورة)، وتجرع الشيشانيون مع شعوب المنطقة (من قبرطاي وأديغة وأنغوش وشابسوغ ووبخ وداغستان) مرارة النفي والتهجير القسري وويلات الحروب مع الروس بدءًا بحروبهم مع روسيا القيصرية ومروراً بمقصلة الشيوعية وانتهاء بالعهد البوتيني، ففي عهد ستالين وحده عام 1944م تم تهجير مئات الآلاف من الشيشانيين والأنغوش إلى سيبيريا وقضى ربعهم نحبه في طريق الهجرة أو في المنفى بعد أن كابدوا شظف المجاعة وذاقوا العذاب، ومنذ أفول نجم الشيوعية قامت حركة الاستقلال من سباتها في الشيشان لتشتعل في حربين الأولى بين عامي 1994 - و1996م والثانية ما زالت مستعرة منذ عام 1999م.
وقد خسرت القضية الشيشانية الكثير من أسهمها في بورصة العدل لدى الغرب ولاسيما بعد صبغها بالتطرف والأصولية الإسلامية وخروجها عن إطارها التحرري القومي.
وما زال درس التاريخ الروسي في قاموس بوتين (وهو خريج أروقة الكي جي بي) هو أن مركزية السلطة هي الشرط الرئيسي للإصلاح السياسي والاجتماعي والاقتصادي، لذلك يستغل بوتين (رغم ما اتصف به من براغماتية مفرطة منذ توليه الحكم في روسيا مع معطيات السياسة الخارجية والتفاهم مع أعداء روسيا التاريخيين وحتى مغازلة خصومها الأيديولوجيين) بدهاء ثعالب الاستخبارات حادثة الحصار الأخير للمدرسة في بيسلان التي راح ضحيتها 370 شخصاً، منهم الأطفال، و400 جريحاً (بعد إلصاق تهتمها بمسخادوف وزمرته الانفصالية (كما تنعتهم الإدارة الروسية) ولكن مسخادوف قد أنكر وشجب هذا العمل الإرهابي) ليعلن عن تغيير الطريقة التي تدار بها الدولة الروسية بزيادة قوة الكرملين ومركزيته محجماً بذلك من مسيرة الديمقراطية بحجة مكافحة الإرهاب، وأطلق على القوانين الجديدة اسم القوانين الصارمة والتي ستحد من حرية اختيار شعوب الأقاليم لحكامها في القوقاز رغم تصريح كولن باول: إنه يجب على روسيا أن توازن بين احتياجها للتصدي للإرهاب والتزامها تجاه الإصلاح الديمقراطي.
وكما تشير بعض الصحف الأوروبية إلى قياس منطقي يرى أن ما يحدث في روسيا أكبر من قدرات فلول المقاتلين الشيشانيين البائسين فاللعبة ترتبط بدعم أعداء بوتين الذين يستخدمون القضية الشيشانية لإعدام بوتين سياسياً، لذلك تلوح في الأفق رؤى أن أموال الملياردير المعتقل خودروكفسكي والملياردير اللاجئ إلى لندن بيروزفسكي تمول بساييف وشبكته في روسيا.
تشكل منطقة القوقاز أهمية لروسيا جيوبولتيكياً واقتصادياً وعسكرياً وثقافياً غير أن موسكو يساورها الشك إذا ما أذعنت لتجربتها الدامية في الشيشان أنها قد تغري الأقاليم الأخرى بطلب الانفصال اعتماداً على العناد الشيشاني الناجح.
وما العملية الأخيرة في مدرسة الأطفال في بيسلان في شمال أوسيتيا إلا فصل آخر في مهزلة الحرب الروسية - الشيشانية نتيجة إفلاس إمكانات الحل السلمي وانسداد دروبه، واستمرار مسوغات الحرب التي يغذيها تضارب المصالح بين الولع الروسي لاستعمار المنطقة والولع القومي الشيشاني للتحرر.
تندرج النزعة الانفصالية تحت تعريف الإرهاب في القاموس الروسي، وذلك رغم ما حدث من انفصال العديد من الجمهوريات السوفيتية السابقة عن جسد الاتحاد السوفيتي بعد انهياره في أوائل التسعينيات من القرن المنصرم عقب الصدأ الذي علا أطرافه، مما استدعى تكسر أوصاله بعد تجمدها بصقيع الحرب الباردة من الخارج وفشل الشيوعية كنظام دولة لاستبداده في الداخل.
(إن التعريف الروسي لمكافحة الإرهاب، ووسائله يظهر إشكالية التوافق مع التعريف الأمريكي ووسائله وذلك على حد قول البروفيسور ستيفن بلاك من معهد الدراسات الإستراتيجية لكلية السلاح الأمريكي.
ورغم مشاركة الروس السطحية للأمريكان في وضع اللمسات على مستقبل أفغانستان بعد طالبان، لكن المبادئ وتطبيقاتها العملية التي تستند عليها السياسة الروسية في تعريف الحرب على الإرهاب تختلف كلياً عن نظيراتها الغربية.
وقد وضع الروس شرطاً للتحالف الروسي الأمريكي يقضي بدعم الروس في حربهم ضد الانفصاليين في إقليم الشيشان ورفضهم للمعايير المزدوجة في رصدهم وانتقادهم لربطهم بين مفهومي الانفصالية والإرهاب، وأيضاً تجاه العمليات والممارسات العسكرية في جمهورية الشيشان ورغم التقدير المتواضع للخسائر البشرية التي تعلن عنها الإدارات الروسية الرسمية، فإن التعليق السابق للاسكندر ليبيد رئيس الأمن القومي السابق كافٍ لبيان تضارب التصريحات والأرقام بقوله في الحرب الأولى لاستقلال الشيشان بين عامي 1994 و1996م قتل حوالي 80 ألف شخص وجرح 240 ألفاً آخرين وحتى إن التقارير الحالية المتضاربة تشير إلى الكارثة الإنسانية في الشيشان والمتمثلة بنزوح 30 إلى 100 ألف شيشاني للأقاليم المجاورة ولاسيما أنغوشيا.
إن العقيدة السياسية الروسية ما زالت تحمل إرث الماضي القيصري والشيوعي بإرهاصاته القمعية وهذا واضح في السياسة الخارجية والداخلية الروسية التي لا تفتح باب الحل ال Socio Economice الاجتماعي - الاقتصادي لنزاعها في الشيشان، ولا تدخلها أصلاً في حساباتها، مفضلة دوماً التركيز بنقاء على الحل العسكري الذي يحمل بين طياته نزعة الإبادة الجماعية.
إن الحرب الروسية - الشيشانية وممارسات الجيش الروسي التي لا يحكمها القانون والشرعية الدولية تعكس فشل الحكومة الروسية في دقرطة هيكل القوة الروسية (جعله ديموقراطياً) بشقيه العسكري والاقتصادي إبان الانهيار الشيوعي، وهذه هي الحقيقة القاسية، ولطالما بُني السلام على الحقيقة مع تلازم إرادة التحدث بها.
لم تكف الولايات المتحدة الأمريكية عن نقد الروس ففي ممارسات الجيش في الشيشان، وتعاظم دورها في لجم الروس عن تدخلهم العسكري في إقليم بانكيسي في جورجيا بحجة وجود مقاتلين شيشان في هذه المنطقة.
فرغم وجود الروس في خندق واحد مع الأمريكان في حربهم على الإرهاب فإن طبيعة الشراكة ما زالت غير متجانسة لاختلاف المصالح والأسس التي يستند عليها كل طرف وهذا واضح في حث الرئيس بوش الأخير لبوتين بأهمية الالتزام بمبادئ الديمقراطية.
إن تأرجح السياسة الروسية بين دفتي مصالحها الأمنية والاقتصادية ووثباتها في مكانها يأتي من التأثير القوي لرسول الحرية الأمريكي بسياسته التي مدت نفوذها إلى أفغانستان والعراق والجمهوريات السوفيتية السابقة، وهي لا تكف عن محاولاتها لتوجيه السياسة الخارجية الروسية، وذلك بقطع كل أشكال التعاون ولاسيما النووي مع إيران، وهي من دول محور الشر في تصنيف الأمريكان.
والسؤال الذي يصعد للسطح في ظل انكفاء السياسة الروسية الخارجية والداخلية وتقوقع قدراتها هي في أن تقود صداقتها مع رسول الحرية الأمريكية لهزيمة الإرهاب إلى فنائها، فكما تروي إحدى الروايات أن رجلاً صادق ملك الموت، فكان إذا جاءه يسأله الرجل: أزائراً جئت أم قابضاً؟ فيقول الملك: جئت زائراً.. وفي يوم قال الرجل لملك الموت: أسألك بحق الصداقة أن ترسل لي رسولاً حين يحين أجلي يخبرني بقدومك لقبض روحي فقال الملك: لك ذلك ثم هبط ملك الموت يوماً على الرجل فقال الرجل: لعلك جئت زائراً فقال بل قابضاً، فقال الرجل أما سألتك أن ترسل لي رسولاً يخبرني بذلك، فقال لقد فعلت فقال لم يأتني رسولك قال: بل أتاك تقوس قامتك بعد استقامتها وابيضاض شعرك بعد سواده وارتعاش صوتك بعد ثباته وضعفك بعد قوتك وذهاب بصرك بعد حدته، ويأسك بعد أملك، طلبت رسولاً واحداً فأرسلت إليك عدة رسل.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved