تفخر المجتمعات الغربية - ضمن ما تفخر به - بأنها تولي الحيوانات اهتماما كبيرا، حيث أُنشئت جمعيات ومؤسسات للمحافظة على حقوقها والرأفة بها.. وأُقيمت مستشفيات متخصصة لعلاج الحيوانات بأنواعها ودراسة نفسيتها وطباعها.. وتشير الإحصاءات إلى أن في الولايات المتحدة الأمريكية ما يقرب من أربعين مليون كلب.. ولتلك الكلاب أقسام خاصة في المتاجر تبيع أطعمتها وأدوات نظافتها والعناية بها، وبعض مستلزماتها.. كما أن هناك عيادات كثيرة للعناية بصحتها ومتابعة تطوراتها.. ولو فرضنا أن كل كلب يستهلك في المعدل ثلاثة دولارات يومياً، لكان المصروف في الشهر الواحد (120) مليون دولار، في العام اكثر من 43 بليون دولار أمريكي.. ولهذا لا غرابة في أن نرى الكثير من الأسر الأمريكية تعامل كلبها كفرد من أفراد العائلة.. وتطلب استخدام ضمير العاقل عند الإشارة إليه في الحديث.. ومعروف أن ضمير العاقل في اللغة الإنجليزية لا يستخدم إلا للإنسان ذكراً أو أنثى.. وربما تغضي تلك الأسر عن الإساءة إذا كانت موجهة إلى أحد أفرادها الآدميين، ولكنها لا تغضي عنها إذا كانت موجهة إلى أحد أفرادها من الكلاب.
أرسلت إحدى السيدات سؤالاً إلى زاوية في جريدة أمريكية محلية، تقول فيه (نحن مثل الكثير جداً من الأزواج، لدينا كلب نعامله كما نعامل طفلنا الأول، خلال السنتين الأخيرتين تمتعت (ميمي) (وهذا هو اسم كلبتهم) بأفضل الرعاية كل الاهتام. الآن نحن نتمتع بمولودنا الحقيقي، ونحن قلقون بشأن (ميمي). نحن نعرف الكثير من الناس الذين تجاهلوا كلابهم بعد ولاة أطفالهم.. ماذا تقترح علينا أن نفعل لنهيئ (ميمي) للمنافسة الحادة التي تنتظرها؟ فنحن حقيقة قلقون على (ميمي) التي نخشى أن يتحطم قلبها)!!.
أتدون ماذا كان الرد؟؟ لقد نصحت الجريدة تلك السيدة بأن تتعامل مع الموضوع كما يتعامل الآباء عندما يأتي مولود ثانٍ للأسرة بعد مولودهم الأول!! ولا أدري بمن ستضحي الاسرة لو أجبرتهم الظروف بالتضحية بأحدهما؟!!
وفي منتصف الثمانينات الميلادية أقدمت الصين على التخلص من أعداد كبيرة من الكلاب الضالة في بكين وضواحيها، وقد غضب عدد كبير من الغربيين لهذا التصرف الوحشي، ولربما لم يفهموا السبب الذي من أجله قامت الصين بتلك الحملة وهو أن عليها أن تطعم أكثر من خمس سكان العالم، ولا يوجد لديها فائض تصرفه على الكلاب.. وحتى لو علموا الحقيقة فإن الكثير منهم لن يقتنع بها؛ لأن حياة الكلب عند بعضهم أغلى بكثير من حياة الإنسان.. ومما يؤكد ذلك أن حملة الصين للتخلص من الكلاب بقتلها تزامنت مع تلك المجزرة الرهيبة التي ارتكبها الصهاينة وعملاؤهم في مخيمي صبرا وشاتيلا ضد الفلسطينيين في لبنان.. والتي راح ضحيتها أعداد كبيرة من الأطفال والشيوخ والنساء.. كنت آنذاك في أمريكا ولم أرَ الأمريكيين ينفعلون ويغضبون لتلك المجزرة كما غضبوا وانفعلوا لما حل بكلاب الصين.. نحن لا ننكر على الغير حب الكلاب وتربيتها والعناية بها، فقد عني بها العرب في تاريخهم وكتبوا عنها الكثير, ولكننا ننكر أن تكون حياة الكلب أثمن وأعز من حياة الإنسان...!! وننكر أن ينكر علينا الآخرون العناية بالجمال، فبعض الغربيين يجعلون من ارتباط العربي بالجمل مدار سخرية وتندر ونكتة ودعابة!! وترى ذلك في كثير من وسائل الإعلام حتى يخيل لمن لا يعرف الجمل أنه يحمل جنسية عربية، ولا يستخدمه أحد غير العرب.. ونحن العرب نشرف بحب الجمال والاهتمام بها، فهي رفيقة دربنا، وسفينة صحرائنا وفوائدها كثيرة وجمة.. وفيها صفات انعكست على العربي في كفاحه وحياته الصعبة في الصحراء.. منها الصبر والوفاء وعدم نسيان الإساءة، ولا اعتقد أن فوائد الكلب ترقى إلى عشر فوائد الجمل، وكلٌ خلقه الله لوظائف خاصة، والعربي ينحر جمله لينقذ الإنسان، أما الغير فقد ينحر الإنسان لينقذ كلبه.
لقد آن الأوان لمعرفة الفروق بين الثقافات واحترام الغير، وعدم التمحور حول الذات.. فالأيام دُوَل بين الناس، والفروق بين المجتمعات تعود إلى فروق في الثقافة والتنشئة الاجتماعية والمعتقدات.. وهي عوامل قابلة للتغيير والتحول من وقت لآخر.
( * ) عضو هيئة تدريس
|