بين آوانة وأخرى تظهر في المجتمع مشاكل عديدة تتصف بعضها بصفات تستدعي سرعة النظر وإيجاد الحلول.. وكثير منها يكون ناتجاً عن عدم فهم الحالة الحقيقية للمجتمع وما يجب أن تكون عليه وما يستلزمه كيانه لكي يظهر بالمظهر المشرف أمام المجتمعات الأخرى، ولعل من أهم تلك المشاكل ظاهرة التسول، فلعلنا أن نلقي بعض الأضواء المهمة على تلك الظاهرة مستندين في ذلك إلى حسن النية ومحاولة الشعور بالمسؤولية أمام الآخرين وأداء لرسالة المجتمع والمتمثلة في بعض أفراده.
لسنا في حاجة (عزيزي القارئ لنسرد على مسمعك قصصاً وحوادث لبعض تلك الحالات التي يخرج بها من امتهن التسول ولكن الذي نريد أن نوضحه هو الحالة العامة والصفات المميزة والانطباعات الخاصة والوسائل المستعملة والحيل المبتكرة وجميع ما يقوم به أولئك المتسولون من أعمال أنت أدرى بكثير منها.
ظهرت تلك المشكلة عندما وجدت أن الجو خالٍ عن المؤثرات العارضة وقد هيأت لها بعض الظروف الصادرة من بعض أصحاب القلوب الرقيقة من الناس الذين بمجرد سماعهم لقصة ذلك المتسول ينهالون عليه بسيل من الريالات ولقد كان لظهورها الأثر الواضح وفي شتى الحالات فبسببها كثر المتسولون، بل إن شئت فقل كثر المحترفون.. فلقد أصبحت مهنة تدر ربحاً وفيراً سيما وأنها خالية من التعب الجسماني.. اللهم إلا ما يصدر من تعب بسيط في حفظ بعض الترانيم المبكية والمحزنة والتي إذا سمعها المرء يعتقد صحتها لما يظهره في ثناياها من عبارات الحزن والأسى التي تدعو إلى الرحمة والشفقة.
فمن قائل.. لقد مات أبي وتركني يتيماً ولي أخوة وأخوات أعولهم وترك علينا دَيْناً.. إلخ إلى قائل أنه مدين بآلاف من النقود وناهيك عن آلاف الصكوك المزيفة التي بعضها قد انتهى مفعوله وحصل صاحبه منه ربحاً وفيراً وصار يطبع منه ويبيع بأغلى ثمن صوراً لأولئك المحترفين.. وهو بعد هذا لا يستطيع أن يترك هذه المهنة لأنه قد رأى ما تدره عليه من مكاسب خالية من التعب ومصحوبة بشيء من الرحمة والعطف.
لا تنس عزيزي القارئ أولئك الذين يتسابقون على أمكنة الجبس ليضعوا من ذلك أدرعا على أيديهم وأرجلهم زاعمين بتلك بأنهم قد كسروا وقد حلت بهم النكبات.
وتذكر معي أولئك الذين يحملون أطفالاً صغاراً مدعين بوفاة أمهاتهم أو بمرضهم وحاجتهم إلى العلاج أولئك الذين قد استأجروا من يقدم لهم أنفسهم أمام الناس، مشيراً إلى علته وسببها وما هي البلدان التي سافر إليها سعياً وراء العلاج.
هذه عزيزي بعض طرقهم التي سلكوها للكسب وحبذا من ورائها الربح العظيم.. ولقد نتج عن ذلك كثرتهم وتعطيل كثير من الأعمال ولقد كان الأجدر بهم الانصراف إلى الأعمال الشريفة تاركين وراءهم هذه العادة المذمومة والتي ينكرها الضمير الحي وتأباها شيمة الإنسان المؤمن برسالته في الحياة.
ولعلنا أن نحاول أن نمنع أولئك الجهلة عن هذه العادة بعدم إعطائهم وزجرهم عنها ونصحهم والإبانة لهم عن سبل الحياة وإرشاهم إلى الطرق الصحيحة للكسب الحلال وعالمنا اليوم ملئ بالأعمال الشريفة التي تمنح من قام بها كسباً وفيراً وتكفيه عن حاجة الناس وتمنعه من الوقوف أمامهم ومد يده إليهم طلباً للمساعدة الناتج عنها الكسل والخمول وإرواء غريزة الإنسان المادية بطريقة غير معتادة قد ينتج عن فقدها مد اليد للسرقة والاعتداء على الآخرين.
وأما أولئك الصادقون فلن نغفل أمرهم لأن الدولة قد قامت بمساعدتهم بطريقة صحيحة متتبعة في ذلك النظر إليهم بحسب استحقاقهم ومراعية لحالتهم الاجتماعية وليسوا في حاجة إلى اختراع الكذب وارتكاب الأخطاء واختلاق الأمراض الوهمية..
|