في مثل هذا اليوم من عام 835 ولد سلطان مصر أحمد بن طولون.
تعود جذور أحمد بن طولون إلى أصول تركية، وكان أبوه من مماليك (نوح بن أسد) والي (بخارى)؛ فأعتقه لِمَا رأى فيه من قدرة وكفاءة، ثم أرسله إلى الخليفة المأمون؛ فأعجب به، وألحقه ببلاط الخلافة، وتدرَّج في المناصب العسكرية حتى صار رئيسًا لحرس الخليفة.
وفي مدينة (بغداد) عاصمة دولة الخلافة وُلِد أحمد بن طولون في (23 من رمضان 220هـ. الموافق 20 من سبتمبر 835م)، وعُني به أبوه عناية فائقة؛ فعلمه الفنون العسكرية، وتلقى الفقه والحديث، وتردد على حلقات العلماء ينهل منها، ورُزق حسن الصوت في قراءة القرآن، وكان من أدرس الناس له وأعلمهم به، ثم رحل إلى طرسوس بعد أن تولى بعض أمورها بناء على رغبته؛ ليكون على مقربة من علمائها الذين اشتهروا بالفقه والحديث والتفسير، وبعد رجوعه صار موضع ثقة الخلفاء العباسيين لعلمه وشجاعته، والتحق بخدمة الخليفة (المستعين بالله) في (248-252هـ الموافق 862-866م)، وصار موقع ثقته وتقديره.
كان من عادة الولاة الكبار، الذين يعينهم الخليفة للأقاليم الخاضعة له أن يبقوا في عاصمة الخلافة؛ لينعموا بالجاه والسلطان، والقرب من مناطق السيادة والنفوذ، وفي الوقت نفسه ينيبون عنهم في حكم تلك الولايات من يثقون فيهم من أتباعهم وأقاربهم، ويجدون فيهم المهارة والكفاءة.
وكانت مصر في تلك الفترة تحت ولاية القائد التركي (باكباك) زوج أم أحمد بن طولون، فأناب عنه وفقًا لهذه العادة ابن زوجته (أحمد) في حكم مصر، وأمدَّه بجيش كبير دخل مصر في (23 من رمضان 254هـ الموافق 16 من سبتمبر 868م).
وما إن نزل مصر حتى واجهته مصاعب عديدة ومشكلات مستعصية، وشغله أصحاب المصالح بإشعال ثورات تصرفه عما جاء من أجله، لكن ابن طولون لم يكن كمن سبقه من الولاة؛ فسرعان ما اشتد نفوذه، وأخمد الفتن التي اشتعلت بكل حزم، وأجبر ولاة الأقاليم على الرضوخ له وتنفيذ أوامره، وكانوا من قبل يستهينون بالولاة، ولا يعبئون بقراراتهم؛ استخفافًا بهم، ويعملون على ما يحلو لهم.
وازدادت قدم ابن طولون رسوخًا، وقويَ سلطانه بعد أن أسندت ولاية مصر إلى (يارجوخ) والد زوجة ابن طولون، فعمل على تثبيت صهره، وزاده نفوذًا بأن أضاف إليه حكم الإسكندرية، ولم يكتفِ ابن طولون بما حقق من نفوذ في مصر؛ فتطلع إلى أن تكون أعمال الخراج في يده، وكان عامل الخراج يُعيَّن من قِبَل الخليفة العباسي، ولم يكن لوالي مصر سلطان عليه، غير أن أحمد بن طولون نجح في أن يستصدر من الخليفة (المعتمد على الله) في (256-279هـ الموافق 870-892م) قرارًا بأن يضيف إليه أعمال الخراج؛ فجمع بهذا بين السلطتين المالية والسياسية، وقويت شوكته، وعظم سلطانه، وكان أول عمل قام به أن ألغى المكوس والضرائب التي أثقل بها عامل الخراج السابق كاهل الشعب.
كان أحمد بن طولون رجل دولة من الطراز الأول؛ فعُنيَ بشؤون دولته؛ وما يتصل بها من مناحي الحياة، ولم تشغله طموحاته في التوسع وزيادة رقعة دولته عن جوانب الإصلاح والعناية بما يحقق الحياة الكريمة لرعيته؛ ولذا شملت إصلاحاته وإسهاماته شؤون دولته المختلفة.
|