*إعداد وحوار:إبراهيم عبدالرحمن التركي
متابعة وتنسيق: عبد الكريم العفنان -تصوير: عبود حمام:
******
(1)
** أما الواجهة:
ففارس من بني عبس..
يسترجع الأمس،
ويرفض الهمس،
ويفتح النوافذ للشمس..
***
** وأما المواجهة:
فاستفهامات تقترب،
وحكايات تضطرب..
وإبحارٌ في السبعين..
يتجاوز حكايات السنين
إلى ما يثير..
وينير.. ويشير..!
***
(2)
** جمع السيف والقلم..
لم يخفْ منه المثقفون..
ولم يرتبْ به العسكريُّون..
صادق أولئك..
وتفاعل مع أولاء..
وكان ملجأ لبعض أرباب البيان..
فيما جار عليهم به الزمان..
***
(3)
** هادئ.. بتوقد..
ومباشرٌ دون تردد..
وطيب مع تشدد..
يحكم بالإعدام في النهار..
وينثر الورود في الليل..
ولا عجب أو تناقض..
فهو فرد في متعدد..
***
(4)
** (أمّ فراس) مدار حياته..
تراها في مواقفه..
وتطالعُها في كتبه..
وتستمع إليها في جلساته..
تمتلئ نشاطاً وحيويّة..
وتحاور برؤية ورويّة ..
***
(5)
هل قال ما لديه..؟
بالتأكيد.. لا..
ولعله لم يَحدْ ولم يزدْ..
وبقيتْ أشياء تحتاج إلى إضافة أو إفاضة..
ليكتب يوماً.. بكل الصدق والتجرد..
شهادته للتاريخ..
***
(6)
العماد أول مصطفى طلاس وزير الدفاع السوري السابق في الواجهة ومع المواجهة...
******
تناقض
* كان (غوبلز) وزير الدعاية في عهد (هتلر) يتحسّس (مسدّسه) إذا سمع كلمة (مثقّف)، لكنك (المثقّف) ولديك مع المسدّس صاروخ وقنبلة ومدفع.. أين التناقض..؟ وكيف اجتمعا..؟ وهل كان الجمع بينهما بصعوبة جمع (الجد) و(الفهم) التي رأى (المتنبي) -وهو صديقك- استحالته.. أم هو (السيف والرمح والقرطاس والقلم) التي ادّعى (أبو الطيب) امتلاكها..؟
- الإعلام اليوم أحد أنواع القوات المسلّحة، وليس مجرد (صنف)، إنه أساسي ضمن مكوناته، وكما نقول (الطيران)، (القوى البرية)، (القوى البحرية)، نقول (الإعلام). الإعلام له تأثير كبير على مجريات المعركة، كما أن له تأثيراً على البناء السّياسي بالنسبة للدول، لذلك فنحنُ في وطننا العربي، نقول إنّ الثقافة لا تناقض القوةّ أبداً، وفي التاريخ أمثلة كثيرة جداً، ف(عنترة العبسي) كان فارساً وشاعراً، لا أحد يختلف على هذا الموضوع، وبالمناسبة فإن الذي فتح (الرّستن) -المدينة التي وُلدت فيها- كان أحد رجال (بني عبس)..
انتماء
* وأنت تنتمي إلى قبيلة (عبس).. أليس كذلك..؟
- نعم، ولذلك نحن نفتخر ونقول: (وين راحوا بني عبس).. (خالد بن الوليد) وضع ألفاً من جند المسلمين، ومَنْ جاء معهم من (الحجاز) ومن (القصيم) ومن (المدينة المنورة) ومن كافة أرجاء (الجزيرة العربية) وضعهم في طرف البلد، فقلب بذلك العوامل (الديموغرافية) لأن من كان في (الرّستن) هم الروم، و(الرّستن) كانت مهمة جدّاً لهم، لذلك انتصر (خالد) على أعدائه..
عودة
* دعنا نعد بالزمن قليلاً، ونفترض أنّ العماد أول مصطفى طلاس كان وزيراً للثقافة، أو وزيراً للتعليم، مثلاً، هل تتوقع أنّ شيئاً ما سيختلف، سواء في المسار الثقافي، أو في مسارك الشخصي..؟
- تتدخل هنا زوجته (أم فراس):
- أنا اطّلعت على الأسئلة وهي مهمة جداً وأسئلة ذكية، وقلت لأبي فراس: لا بد أن تجري الحوار، وأريد أن أرى كيف يستطيع أن يخلّص نفسه من هذه المواجهة.
تخلص
* يجيب (أبو فراس):
- أنا أستطيع أن أخلّص نفسي.. (أم فراس):
- سنرى كيف، وإذا لم تقدر.. (تتوجّه نحونا) دعوني أجر اللقاء عوضاً عنه.. (يضحك الجميع)..
حكاية
* (أبو فراس):
- على جميع الأحوال أعود لموضوع السؤال وأشير إلى قصّة جرت في إحدى العواصم.. حيث ذكر (كسينجر) في مذكّرته أنّ (حافظ الأسد) عندما يريد أن يجري لقاء، كان يدعو (مصطفى طلاس) لحضور الجلسات، حضرنا ثماني وعشرين جلسة، وفي النهاية اتفقنا على وقف إطلاق النار، وتسوية الموضوع.
تشرين
* كان هذا بعد حرب تشرين 1973م..؟
- نعم.. فقال (كسينجر) للرئيس (الأسد) هل من الممكن أن تقول لي: لماذا يتمسّك العماد (طلاس) بخطط الحرب وخط التشدّد..؟ فقال له الرئيس: إن العماد (طلاس) قد سمع الكلام، وسيجيبك مباشرة. فقلت له: ليست لي مصلحة في السلام، فسأل (كسينجر): لماذا؟ قلت: لأنه إذا لم تحصل الحرب، فيمكن لكائن من كان أن يصبح وزيراً للدفاع وسوف يصلح لذلك، فبدون الحرب، وزير الدفاع عبارة عن مظهر، وحقيبة دون فائدة، لكن مع وجود التحدّي الإسرائيلي، هناك ضرورة لوجود (مصطفى طلاس) وزيراً للدفاع..
جناة
* وهكذا أمضيت في الوزارة ثلث قرن..؟
- بالفعل فقد بقيت لمدّة اثنين وثلاثين عاماً -وهي أطول مدة لوزير دفاع- وعندما أنهيت خدمتي كنت قد أكملت اثنين وخمسين عاماً في القوات المسلحة -وهي أيضاً أطول مدة لعسكري في القوات المسلحة في العالم-..
ثقافة
* لنعدْ لموضوع وزارة الثقافة أو التعليم..؟
- فيما يتعلق بالسؤال الذي طرحته حول وزارة الثقافة أو أية وزارة مما ذكرت وما لم تذكر،
أقول: إن الذي نجح في وزارة الدفاع، أظن أنه ينجح في باقي الوزارات، والفاشل في أحدها هو فاشل حتماً في أية وزارة، لأن الثقافة قتال، والتعليم قتال ولا بدّ في النهاية من الوصول إلى الانتصار، وبالتالي فأنا أضمنُ النجاح في المهمة الموكلة إلي أياً كانت..
رقم
* وهل كان المثقف حينها - وحسب رؤيتك في توأمة الكلمة والسيف- سيتحرر من خوف السلطة..؟ وهل ستبدأ السلطة بإعادة قراءة الكلمة والتعايش لا التصادم مع الكلمة..؟
- أعرف أنك -يا أخي إبراهيم- قد قرأت من كتبي أو على الأقل قرأت فيها، وقد قلت في كتابي (ديوان العرب) إن (الفروسية) و(الشعر) قطبا الجمال الكبيران وإن الشعر نزعة تصوف واغتراب رؤى يترجمها الفرسان الشعراء مواقف، أقلها مشقة سيف، والفروسية نزعة حنين لامتلاك مثل إن قصر باع الشعر عن إدراكها
بشكة رمح لم ينته منالها بكلمة أنفذ من سنّ ذاك..
إشراق
* كلام مُشرق لم نعتدّ مثله من حملة الرتب والأنواط والنجوم والمسدسات.. ولعلي أستعيد إشارتك في الكتاب نفسه إلى أن (لينين) و(ستالين) و(خروشوف) قد أكدوا أهمية الشعر وضرورته في الثقافة العسكرية..؟
- هذا صحيح.. بل إني لا أتصورُ قائداً (تاريخياً) و(ليس قائداً عابراً) إلا وفيه ميلٌ إلى الشعر بشكل خاص، والكلمة بصورة عامة، وتذكر -إن شئت- المهلهل، وعنترة، وعمرو بن معديكرب، ودريد بن الصّمة وعبد الله بن طاهر العلوي الذي روي عنه قوله:
نحن قومٌ تذيبنا الأعينُ النُّجّلُ
على أننا نذيب الحديدا
طوع أمر الحسان تقتادنا الغيد
ونقتاد في الطعان الأسودا
سجن
* اسمح لي -أبا فراس- أن أعود إلى وزارة الدفاع، أنت مثقّف،
ومؤلّف، ولك تجربتك العريضة في هذا المجال، لكنك تحمل المسدّس، وحين نقرأ سيرة حياتك في مجلّداتها، نرى أنك -في الكثير من مؤتمرات الحزب واجتماعاته، وتحديداً قبل الحركة التصحيحية- كنت في موقف المخالف لتوجهات (جماعة صلاح جديد)، وكنت تأمر بسجن المعارضين لتوجهاتك، والمثقف -بطبعه- ناءٍ أو معارض للسلطة بطبيعة الحال، الآن.. كيف استطعت -رغم ذلك- أن تحتوي المثقفين، ألم يخفهم مسدّسك..؟
- لا.. فالمثقفون يحبونني، وأنا أحبّهم، لي صداقات معهم، وأنا أقيم في بيتي -كلَّ شهر- عشاء للمثقفين، في الوقت الذي يوجد فيه بعض الناس الذين لا يفتحون بيوتهم للمثقفين، ولا حتى يتحدثون معهم..
لقاء
* ماذا عن هذا اللقاء الشهري..؟
- في كل شهر يأتي إليَّ أربعون مثقفاً، ونتحدث في كل شيء، وطالما نحن في الحكم، يجب أن
نستمع إلى المعارضة، ونعرف ماذا تريد، وبالتالي لا تتصور أن هناك مثقفاً يشعر أنه مظلوم إطلاقاً، بالعكس، فأنا كل إمكاناتي لهم ولا أحد يطلب مساعدة إلا أقدّمها له، حتى إنه في كثير من المرّات كنت أضطر لكتابة رسائل إلى وزارات الدّفاع في الدول المجاورة والأجنبية بطلب منح دراسية لأولاد المثقفين ليدرسوا في الخارج..
منح
* وهل تم شيءُ بهذا الخصوص..؟
- نعم فقد استجاب قسم كبير، ولدينا (217) طالباً في البلدان الأوروبية، وكل هذه المنح كانت برسائل مني حين كنت وزير الدفاع، ومن خريجي هذه المنح محافظ حماة الحالي..
رقم
* الآن.. عقب اثنين وسبعين
عاماً منها اثنان وخمسون في القوات المسلحة، لماذا آثرت الترجّل بعد كل هذه المدّة..؟ وهل يمكن لرقم مجرد أن يهزم المحارب ذا الوزارات ويجعله قعيد بيته..؟
- أنا مؤمن بضرورة أنه لا أحد يأخذها مقاطعة -كما يقولون في حمص-، أي لا يمكن أن تأخذ دورك ودور غيرك، ويجب أن يفكر الإنسان بالأجيال التالية، فأنا بوصفي وزير دفاع أعطيت كل ما عندي، يجب أن يأتي جيل آخر يعطي ما لديه، وهذا الكلام يجب أن يُقال سواء كان عطاء هذا الجيل أقل من عطائي أو أكثر، فهناك من يقارن، ماذا أعطى (مصطفى طلاس) وماذا أعطى الذي أتى بعده، وأترك لهم الحكم ولعلهم يتذكروننا بالخير..
تقاعد
* لكن.. هل تقاعدت أم قوعدت..؟
- أنا -في هذا الموضوع-
صاحب القرار، وقد قلت للرئيس (بشار الأسد) إنني لا أريد تمديداً آخر، وأريد أن أستريح..
مناصب
* من جميع المناصب..؟
- أنا الآن عضو في القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي، ورئيس اللجنة الحزبية في القوات المسلحة، وسأظل فيها حتى المؤتمر القادم والذي سيُعقد غالباً قبل نهاية هذه السنة وسنرى قيادة جديدة، وسننظر هل نرشّح أنفسنا..؟ وهل ينتخبنا المؤتمر..؟ وإذا انتخبنا المؤتمر قد نكون في مناصب أخرى، وإذا لم ينتخبنا فأنا أفضّل الخلود للراحة والتفرّغ للأسرة والكتابة..
حرس
* سيادة العماد، أرجو أن تسمح لي في هذه النقطة أن أشير إلى ما يتردد في بعض الأوساط من أن تقاعد العماد (مصطفى) هو جزء من تغيير الحرس القديم الموجود في السلطة السياسية القائمة..؟
- في هذه النقطة بالذات نقول لهم إننا في سورية لا يوجد لدينا حرس قديم وحرس جديد، وإذا أردت تسمية الحرس القديم جوازاً، فلم يبق منه إلا أنا و(عبد الحليم خدّام)، وإذا راجعت أفكارنا في القيادة تراها متقدمة كثيراً على أفكار من هم أحدث منّا سناً، ولا يمكن المقارنة بيننا، مما يتعلّق بالخبرة حُكماً..
تغيير
* لكن هل أنت فعلاً ومن قلبك مع التغيير..؟
- على الصعيد الشخصي أريد أن يحصل التغيير، لأنني أؤمن بتداول السلطة وعدم احتكارها، وأقول: فليستلم غيرنا، ودعوا الناس تقارَنَ، وأنا أقول الآن إن من سيستلم كائناً من كان من المستحيل أن يُقارنْ بالذي خاض حرب تشرين، والذي ثبت السلطة في سورية بأصعب مراحلها دقةً، فتاريخ سورية الحديث كلّه معروف، فلا تستطيع أن ترى أحداً يمكنه أن يمسك المفاصل بدقّة كما فعلنا نحن وهذه حقيقة..
فضل
* أنا أعرف أيضاً، أن لك فضلاً على الكثير من المثقفين العرب الذين ربما ظُلموا في بلدانهم فاحتويتهم في سوريا.. هل كان هذا بتحريك من (المثقف) في داخلك.. أم هو جزء من الاحتواء السياسي..؟
- طبعاً نحن نرحّب بهم بدافع المحبة والأخوة وصداقة الكلمة وإيماني بدور المثقف والمفكر والأديب، وبالتالي فنحن لا نترك أي مثقف مغلوباً على أمره، حتى (أدونيس) الذي يوجد بيننا وبينه وجهات نظر مختلفة قلنا له: أهلاً وسهلاً، فإذا تعرّض له أحد نحن نحميه، رغم أن (أدونيس) له فكرة نرفضها حول مصالحة اليهود..
رفض
* طبعاً أنت ترفض الصلح مع اليهود..؟
- أنا لا أؤمن بالصلح مع اليهود فهذه طبيعتي، فقد خلقني الله وأنا أكره الصهاينة، هذا في دمي، لذلك فأنا لا أحبّهم ولا هم يحبونني، وأنا أحترم أدونيس دون أن أحب الصهاينة، وهو بالتالي يقول: إنه يحبّهم فنحن بادلنا بعضنا هذه المصداقية..
خرافة
* ألا تخشى أن تُتَّهم بمعاداة السّاميّة..؟
- خرافةٌ ابتدعوها.. نحن لا نُعاديهم (عِرْقياً) فقد عاش اليهود ويعيشون بين العرب والمسلمين معززين مكرمين، وجارُ النبي العظيم محمد صلى الله عليه وسلم كان يهودياً رهن عنده درعه، لكننا نتحدث عن الصهاينة الذين دنسوا واحتلوا واغتصبوا وقتلوا.. هؤلاء مجموعة من المجرمين السفلة، ولا مكان لهم بيننا وقد سبق أن قلت في أحد كتبي: إننا سنظل نخشى العدو ما لم نتذوق طعم دمه..
مصافحة
* هل تتوقع في حياتك أن تصافح مسؤولاً إسرائيلياً؟ وهل لا زلت عند (لاءات) الخرطوم..؟
- أنا عند (لاءات الخرطوم) أكثر من الأول، أنا أكره إسرائيل وأكره الصهاينة أكثر من الموت الأحمر، فكيف تريدني ألا أكون معها، وكيف تريدني أن أتخيّل مصافحتهم..
حاجة
* نعود إلى علاقتك بالمثقفين.. هناك آخرون ربما كانت أفكارهم معارضة للحكم السوري، ومع ذلك استقبلتموهم في سوريا وسأذكر (مظفر النواب) نموذجاً..؟
- نحن نحتويهم، وأنا في
الحقيقة قلت للرئيس (حافظ الأسد): لا نحتاج إلا للكلمة الجميلة من المثقف، ومن ثم نعرف ما حاجته، فالمثقف لا يجد إمكانية لشراء بيت، فمن الممكن أن تعطيه الدولة قرضاً لشراء بيت ويُسترد على (15) أو (20) سنة، فالدولة قادرة، لِمَ لا تعطيه هذا القرض، فأنا شخصياً مع التيسير على المثقفين، ومن هذا المنطلق فأنا يسّرت عليهم عندما كنت وزيراً للدفاع، فكل من يطلب منّي منزلاً مقسّطاً كنت أقدّمه له وأساعده، لذلك لم يكن هناك أي مثقف يشعر أنّه غريب عنّي..
دور
* هذا أكثر من دور وزير ثقافة..؟
- عندما كنت أعمل في حمص قائد منطقة طلبوا مني أن أعتقل بعض الرموز الذين نسمّيهم المحافظين، أو يُسمّون (الرّجعيّين)، قلت لهم: لن أعتقل أحداً، قالوا لماذا..؟ فهم أعداء..؟ قلت لهم: أبداً، هل سنعتقل شعبنا ونأتي بأناس من أميركا ليسكنوا في سورية، هؤلاء سوريون وبالتالي لن أعتقل أي إنسان وأنا المسؤول عن الأمن..
ناتج
* وماذا كانت النتيجة..؟
- كل المدن أضربت إلا حمص والمنطقة الوسطى، كل المناطق حدثت فيها حركات ومشاغبات إلا المنطقة التي كنت أنا فيها، لم يتحرّك أحد ضد الدولة، وكان أكبر خصومنا فيض الأتاسي، يأتي إلى منزلي وأذهب إلى منزله، وكان يقول: -وهو من حزب الشعب أي ابن الفصيل المعارض-: إنه لا يشعر أنه غريب عن (مصطفى طلاس) أو عن الحكم طالما أنني يمكن أن أقابل المسؤول بمجرد هاتف واحد، كان يتصل ويقول: (أبا فراس) سآتي إليك، أو فلتأت إلي، لذلك لم يكن هناك داعٍ للشّدة..
ممارسات
* لكن كانت هناك ممارساتٌ عنيفة ضد المثقفين..؟
- هناك بعض الرّفاق، وبصورة خاصة قبل الحركة التصحيحية، كانوا يتصرفون بحقد، وهذا الحقد نحن لا نعرفه، فالشعب السوري بطبيعته لا يعرف الحقد، ولم يكن هذا حتى شعار الماركسية التي اعتنقوها في ذلك الوقت، هم كانوا يعدون أنفسهم على يسار (ماوتسي تونغ) وليس على يمينه، هم أكثر ماركسية منه..
وَسَطِيٌ
* وأنت أشرت إلى هذا في (مرآة حياتي) وما كانوا يسمونه (التحريفية) في مزايدةٍ على الشيوعية الروسية إذ ذاك..؟
- نعم، فربّ العالمين قال: (وجعلناكم أمّة وسطا) فالوسط أفضل، لا يمين ولا يسار، لنبق على الوسط وبالتالي هذا الموضوع كون اقتناعاً لدى الناس بأنني لست ضد أحد، لذلك فهم يحترمونني ويحبونني وكما ذكرت لك، لم أدّخر وسيلة لخدمة هذا الاقتناع والعمل لأجله..
سلام
* سأعود إلى عملية السلام التي أشرت إلى عدم إيمانك بها، وعدم إيمانك بالصلح مع الصهاينة تحديداً.. ألم تغير توجهاتك بعدما اختلطت الأوراق وبات (العربي) تائهاً بين مصطلحات السلام والاستسلام والخيانة والهدنة..؟
- أود أن أعطيك فكرة، اليهود ضد السلام، وإذا حدث صلح بيننا وبينهم تنتهي إسرائيل، وهذه حقيقة تاريخية، فإذا حصل سلام بيننا وبينهم فسوف يجد اليهود أن أفضل مكان لهم يذهبون إليه هو أمريكا، ما الذي سيفعلونه هنا..؟ لا يوجد أي شيء في فلسطين فأنا أعرفها جيداً، سيقولون إننا كنا مزروعين في هذه المنطقة بأمر من الاستعمار، وكياننا كله لإسقاط العرب، من أيام (نابليون) وحتى الآن، وهذه فكرة موجودة، ف(نابليون) قال لهم: يجب أن يخلق كيان غريب كي يفصل مشرق الأمة العربية عن مغربها، فإذا حدث السلام أين هي مصلحتهم وقت ذاك؟ فكلّ منهم سيذهب إلى أهله.. الذي في (نيويورك).. إلى (نيويورك) والذي في (فرنسا) إلى (فرنسا) وفي أي مكان يذهبون إليه هو أفضل لهم من فلسطين، صحيح أننا نحب فلسطين لأنها وطننا، وكما قال (عمر بن الخطاب): (لولا حبّ الوطن لهلك بلد السّوء) فحبّ الوطن قتّال، نحن نحب فلسطين، لكن بالتأكيد لو كنت يهودياً فسوف أرى مصلحتى في أمريكا وليس في فلسطين، فاليهود في (نيويورك) يعيشون ملوكاً..
أختلف مع عرفات .. ولا أقبل بإهانته
حب
* هل حبك لفلسطين هو الذي دعاك إلى إصدار بعض التصريحات النارية جداً ضد القيادة الفلسطينية.. وتحديداً ضدّ قائدها أبي عمار..؟
- أنا في الحقيقة متعصّب لفلسطين، منذ حدوث النكبة، حتى إنني تطوعت للقتال آنذاك، لكنهم أعادوني فقد كان عمري حينها (16) سنة، وقد دخلت الكلية الحربية -فيما بعد- للقيام بعمل ما، ونحمد الله أننا قمنا بعمل ضد الصهيونية، كما ذكرت، رفضوا السلام مطلقاً، الصهيونية لا ترغب بالسلام، بل ترغب باستمرار الصراع وتمديده، لذلك فجميعهم كانوا كاذبين..
وثيقة
* حتى وثيقة رابين..؟
- وثيقة (رابين) التي قالوا عنها إنها ستعطي سورية العسل واللبن، هي في الحقيقة كذبة كبرى، قالها رئيس أمريكا من البيت الأبيض، لم يُرنا إيّاها، ولم يقل علام تحتوي، الحقيقة كلّهم
كاذبون.. (نتنياهو) ومن قبله ومن بعده وهذا الموجود حالياً (شارون) كلّهم كاذبون، وكلّهم ضد السلام، ثمّ هل من المعقول أنَّ أحداً يريد السلام مع الفلسطينيين يقوم في كل يوم باجتياح وغزو، هذا غير معقول، هؤلاء في حالة السّلم ستتعايش معهم، فكيف تقتلهم كل يوم..؟ أنت بذلك تربّي نار حقدٍ في دمهم، لن تنطفئ إلى الأبد، ثم نحن عرب ونحب الثأر، ولو بعد أربعين عاماً، هل يُعقل أن يعيش الإنسان دائماً مع سياسة القتل والقمع والتدمير..
تصريح
* وماذا عما سبق أن صرحت به ضد (عرفات)..؟
- ألم يصدق حديثي الذي فاض بالحب لفلسطين والخوف على أهلها، انظر إلى (ياسر عرفات)، إنه محاصر في مقرّه، في قوقعة وهذا نوع من الإذلال الإسرائيلي للشعب الفلسطيني..
اختلاف
* لكن لم تقل لي رأيك في (أبو
عمار)..؟
- أنا قد أختلف مع (ياسر عرفات) في تصوّرات كثيرة، لكنه يبقى بالنسبة لنا مناضلاً فلسطينياً، ومعاملته باحتقار هي احتقار للأمة العربية كلّها، ونحن في سورية لا نقبل ذلك..
خط
* ما هي رؤيتكم في سوريا..؟
- الرئيس (بشار) له خط واضح في المؤتمرات، خط مواجهة، وما يريده الرئيس (بشار) وما يريده الشعب السوري أكبر بكثير، لكنكم تعرفون الإمكانات، ولذلك فأنت تشاهد في المؤتمرات أن العرب لا يحيدون عن مطالب سورية، فمطالب سورية هي الصيغة المقبولة للعرب جميعاً وتمثل الحد الأدنى مما يمكن الرضا به..
حرب
* سيادة العماد، هناك من يرى وجود تجاوزات في حرب (1967م)، بل قيل إنه قد حدث هناك تهاون على الجبهة السورية وسلمت (القنيطرة)
قبل احتلالها..؟
- في الحقيقة.. لم يكن ثمة تهاون في الجبهة السورية، ففي حرب 67م كان معظم العرب تحت زعامة (عبد الناصر)، لقد كان (عبد الناصر) زعيماً بكل مقاييس الزعامة، وعندما هُزم الجيش المصري بستّة أيام في الحرب التي يسمّونها، حرب الأيام الستة، وهُزم الجيش الأردني بيومين أثر هذا كثيراً على نفسية المقاتل السوري، في الوقت الذي اعتقد فيه الجميع أن الحل سيكون عن طريق الأمم المتحدة، لذلك وافقت سورية على وقف إطلاق النار، وبالتالي سايرت الدول العربية..
قرار
* لكن.. هل كان القرارُ للرئيس حافظ الأسد ولكم بشكل كامل..؟
- في ذلك الوقت نحن لم نكن مسؤولين، يعني الرئيس (حافظ الأسد) الذي كان وزيراً للدفاع كان ينفذ أوامر القيادة القطرية، لكن لو أتيت لي، ول (حافظ الأسد) حينها لعرفت أن لنا رأياً آخر، ولم نكن أبداً مع وقف إطلاق النار..
تشرين
* وماذا عن حرب 1973م التي قال فيها صديقك (البردوني) الذي استشهدت ببائيته في كتابك ديوان العرب:
خطى أكتوبر انقلبت
حزيرانية الكفن
ترقى العار مع بيعٍ
إلى بيعٍ بلا ثمن
ومن مستعمرٍ غارٍ
إلى مستعمرٍ وطني
- .. أنا أقول لك -أخي إبراهيم- إن حرب تشرين ستبقى خالدة في ذاكرتنا العربية.. (تقاطعه أم فراس):- نحن لم ننتصر بحرب تشرين.. نحن أضعنا الجولان في حرب تشرين، وأضعنا كل شيء، واحتفظنا (بالقنيطرة) مهدّمة..
انتصار
* أبو فراس:
- لا، لا انتصرنا.. بلى نحن انتصرنا.. لماذا؟، لأنه منذ قيام إسرائيل، كان العدو الصهيوني هو صاحب المبادرة، في حرب تشرين نحن من ضربناه في البداية، بضربة متزامنة مع القوات المصرية، فعندما تخرج (200) طائرة وتقصف في وقت واحد مطار العدو، فإن هذا ليس أمراً عادياً، لقد تفاجأ العدو عند الساعة الثانية ظهراً بهذه الضربة الموجعة، إذاً نحن من قام بالمبادرة، قتلنا منهم، وقتلوا منّا، لكن هم لعبوا علينا لعبة (كامب ديفيد) ومن لعب هذه اللعبة معهم هو أنور السادات..
خيانة
* لعبة فقط..؟
- هذه خيانة، لم تكن لعبة وليس لأنهم أذكى منّا، بل لأن ثّمة خيانة وقعت، نحن كنا ولا زلنا أذكى منهم، على جميع الأحوال، لا تتصوروا، مثلاً أن الرئيس الأسد وقتها كان من الممكن أن يفعل كما فعل (أنور السادات)، الرئيس (حافظ الأسد) مستعد أن يُقتل ألف مرة على أن يذهب إلى القدس بالعار الذي ذهب به (أنور السادات)..
اعتقال
* قلت في (مرآة حياتي) إنك طلبت اعتقال الرئيس السادات قبل زيارته إسرائيل حين توقف في دمشق.. هل يعقل مثل هذا الاقتراح..؟
- أنا كنت
سأقصفه في الطائرة، وحقيقة كنت أنوي أن أصعد إلى الطائرة وأمنعه من الطيران، لو قبل الرئيس (حافظ الأسد)، لقد قال الرئيس (الأسد) ل(السادات) إنه حتى لو وُجد سارقان فإنهما لن يختلفا قبل إتمام صفقتهما، أما نحن فالنصر بين أيدينا والحق لنا، لكنّ (السادات) لم يستمع، وكانت النتيجة أن انفردوا بمصر..
محاولة
* لِم لم يحاولوا مع الرئيس الراحل حافظ الأسد..؟
- هم يعرفون أن عقل الرئيس (حافظ الأسد) متوازن، ومتماسك لا يمكن أن يفرّط أو يتنازل، حتى عندما كان في جنيف قبل وفاته، وفتح الخرائط ووجد أنها بدون (طبريّة) أغلقها فوراً وقال: إنه غير موافق، حينها قال له (كلينتون) إن كل شيء جاهز، فقال له إن الخرائط غير مطابقة للحقوق السورية، أغلق الخرائط وعاد فهو لا يتنازل عن ذرّة تراب..
إبعاد
* في كتابك (مرآة حياتي) في الجزء الخاص بالحركة التصحيحية أشرت إلى فترة رئاسة أحمد الخطيب، بينما لم أجد فيما بعد إشارة إلى كيفية إبعاد هذا الرجل عن الرئاسة..؟
- سأقول لك الحقيقة، كنّا قد اتفقنا على أن الرئيس (الأسد) هو الذي سيتسلم السّلطة.. وأحمد الخطيب كان زميلنا وصديقنا ونقيب المعلّمين، لكنّه غير قادر على المعاركة كالرئيس (حافظ الأسد)، لذلك قال الرئيس الأسد في البداية: من هو أكبركم سناً، فقال (أحمد الخطيب): أنا، لذلك قلنا له: إنه هو رئيس الدولة، ولكننا في الاستفتاء، لم نستفت على رئيس الدولة بل قمنا بالاستفتاء على منصب رئيس الجمهورية وقدمنا نحن تقريراً حول مرشّحنا (حافظ الأسد) وفاز الرئيس بالمنصب..
تعامل
* وكيف كان التعامل مع الأستاذ الخطيب..؟
- في جميع الأحوال كان يتمتع بمعاملة حسنة وأخلاقية، وفي إحدى المرات قال للرئيس (الأسد) بشأن أحد المراسيم: هل تريدني أن آتي به إليك، على اعتبار أنه رئيس دولة والرئيس (الأسد) كان وقتها (رئيس وزراء)، مع العلم أننا نحن الذين وضعناه بوصفه الأكبر سناً قبل حصول الاستفتاء، ثم حصل أن كانت هناك رئاسة الوزارة الاتحادية، ثم الوزارة مع (ليبيا)، وانقلبت الأمور كلّها، وذهب إلى ليببا..
انسياب
* لك دور بارز في انسيابية تسليم السلطة إلى الرئيس (بشار) بعد وفاة الرئيس (حافظ الأسد).. إلا أن ثّمة أوراقاً مستترة لم تُكشف بعد.. هل حان وقت ذلك..؟
- بعد وفاة الرئيس، اتّصل بي (بشار) وقال: يجب أن تأتي إلينا في المنزل لأمر ضروري، فذهبت إليهم في البيت، فقال لي: إن والده قد توفي، فطلبت منه إبلاغ (عبد الله الأحمر) ونوّاب رئيس الجمهورية، ورئيس الوزراء، ورئيس مجلس الشعب ليكونوا موجودين معنا، فأخبرهم، وشرحت لهم تصوّراتي عن انتقال السلطة للرئيس بشار، وكنت سعيداً جداً لأن الرفاق وافقوني على جميع التصورات ولم يعترض أحد عليها، وبالتالي تم نقل السلطة بكل يسر..
خطوات
* ما هي الخطوات الأساسية التي قمت بها..؟
- في المساء اجتمعت بكافّة قادة القوات المسلحة، واتصلت بالرئيس واستأذنته أن نقابله، وبالفعل ذهبنا جميعاً إليه، تعبيراً عن تأييد الجيش للدكتور (بشار)، ثم طلبت من الرفيق الأمين القطري المساعد (سليمان قدّاح) أن يصدر قراراً من القيادة بترقية العقيد بشار إلى رتبة (فريق) يوم وفاة والده كي لا يكون هناك انقطاع في السلطة، ثم طلبنا من الرفيق (عبد الحليم خدّام) نائب رئيس الجمهورية إصدار مرسوم بتوقيعه بتسمية الفريق بشار قائداً عاماً للقوات المسلحة، وهنا رشحناه قائداً للقوات المسلحة ورئيساً الجمهورية، وبالتالي تّمت عمليّة نقل السلطة..
صمت
* ثّمة أقاويل عن فترة صمت بين وفاة الرئيس إلى إعلان الخبر وعن وجود مشكلات حينها..؟
- لا، في الحقيقة نحن اجتمعنا في الساعة (11 صباحاً) وامتد اجتماعنا حتّى الساعة الثانية ظهراً، وأعلن الخبر في الساعة السادسة مساءً، ثم دعونا أعضاء مجلس الشّعب للاجتماع من أجل تعديل الدستور في المادة المتعلقة بعمر رئيس الجمهورية، وتخفيضها من (40) سنة إلى (34) سنة، وهذا الأمر لم يكن أحد يعرفه إلا أنا، وسارت الأمور، بشكل متسلسل ومتناغم ولم يكن هناك أية مشكلات..
«يتبع»
|