شموع جميلة، واضاءة خافتة، وعطور فرنسية تملأ المكان رقةً وجمالاً، وعشاء فاخر، وزوجة ساهرة تنظر في ساعة يدها وما حولها من ساعات أخرى لعلها تكذب ساعة يدها.. يعود الزوج وكأن شيئا لم يكن متعذراً بأن الوقت أخذه في مسألة أو عمل ما، او في قضاء امسية سعيدة مع بعض الاصدقاء، وقد اعطى لزوجته من قبل وعدا بالحضور مبكراً وعاد متأخراً، لكن معذرة، فعقارب الساعة لا تعرف الاعذار.. ويبدأ النقاش والحوار الذي يؤدي الى الخصام.. وهكذا.
الوقت يعني في اذهاننا اوقاتاً سعيدة او ذكريات مؤلمة.. فلننسَ ما هو مؤلم في حياتنا، ولا نأخذ منه الا العبرة فقط، ولنجمل حياتنا بذكريات الاوقات السعيدة سواء في وقتنا الحاضر او ما مضى من الأيام.
ان كلمة (وقت) تتكون من ثلاثة احرف لا غير، ولكنها تعني الكثير والكثير.. فيها تقوم حضارات، وبها تسقط ايضا.
ان الحياة الكونية تجري بدقة متناهية وبأوقات محددة، كالشمس والقمر والنجوم والليل والنهار وتعاقبهما، فرض الصلوات الخمس في اوقات محددة يدل على أهمية الوقت، ولم يُترك لنا أداؤها كما يحلو لنا.
أليس هذا ابداعا واعجازا؟ الا يدل على ان الكون يقوم على نظام وقتي؟
لماذا لا يكون هذا نبراساً نقتدي به، ونعد الوقت كالهواء في اهميته في حياتنا اليومية؟
ان المثل يقول (من شب على شيء، شاب عليه) وهناك مثل انجليزي(اذا حسن البدء، حسن الختام).. فلنبدأ بتعليم اولادنا اهمية الوقت والحفاظ عليه منذ الصغر؛ حتى يعود عليهم في كبرهم بفوائد عظيمة، فيستطيعوا ان يؤدوا كثيرا من المهام المنوطة بهم دون عناء، والاستمتاع بوقتهم دون هباء.
الجميع يقف مبهوراً امام دقة مواعيد الاوروبيين والالتزام بها، ونحن نهمل ما هو في اصالتنا العربية وما هو في ديننا الحنيف من احترام الموعد.. فلِمَ نحاول ان نسلب من انفسنا ما يميزنا كعرب، ونتخاذل عن اهم الامور في حياتنا اليومية وننسبها للغرب؟
كلنا يرتدي ساعات فاخرة، وكلنا ينظر الى الوقت، ولكن لا قيمة لهذا الوقت! فلِمَ نرتدي الساعات المزخرفة؟ أهي لزخرفة تأخرنا عن الموعد المحدد كما اعتدنا؟
الكثير منا يلاحظ الاستخفاف بالوقت في ابسط الامور.. مثلاً: اعطاء موعد للزيارة في السابعة والحضور في التاسعة!! من اعطى الحق لهذه او هذا الزائر بأن اليوم كاملاً لراحته واستقباله، الكرم كرم الضيافة وحسن الاستقبال، ولكن ليس على حساب راحة كل من في هذا البيت ووقته!! كثيرا تمر في حياتنا اشياء ولا نعيرها الاهتمام، فمثلاً: التأخر عن موعد الرحلة سواء بالطائرة او اي وسيلة اخرى اكبر دليل على عدم احترام الوقت، ايضا كثير من الطلبة والطالبات في وقت الاختبارات من يجد نفسه في صباح يوم الاختبارات ولم يكمل مراجعة كتابه والنتيجة بالطبع معروفة! كم يعني تأخر الطبيب المعالج على مريض في أمس الحاجة اليه؟
في مطار (هيثرو) بلندن مثلاً تهبط طائرتان كل دقيقة.. لو لم يكن للوقت اهمية فماذا تكون النتيجة؟ اذا لم يكن للوقت اهمية كبرى لِمَ أُنشئت العديد من الشركات التي تتولى مساعدة الاشخاص في تنظيم الوقت وادارته وكيفية الاستفادة منه؟ ان الحياة مليئة بالاشياء الثمينة، ولا جدال ان الوقت من اثمنها، فلا نضيع على أنفسنا حسن ادارته وتنظيمه.
ان التحكم بالوقت عادة مكتسبة يمكن الاعتياد عليها منذ الصغر بسهولة، ولكن في الكبر يصبح التعود صعبا، غير انه ليس مستحيلاً، فلا ننسى المثل (التعليم في الصغر كالنقش على الحجر).
كي نعوِّد انفسنا على احترام الوقت والتقيد به وجعله منارة في بحر حياتنا نهتدي بها وصولا الى شاطيء حياتنا العملية والعلمية، فلابد من وقفة وغوص في اعماق الذات ونقدها حتى نطفو على الصعاب، ونؤدي المهام في وقت قياسي ونستغل اوقاتنا في اشياء عديدة، دون اهدار للوقت والطاقة.. ولنتذكر في هذا المقام الحكمة القائلة (الوقت كالسيف ان لم تقطعه قطعك).
|