سيف العقوبات

تستطيع الولايات المتحدة تزويد رؤيتها السياسية بأسنان تتيح التنفيذ لما تراه، وهاهي تخرج بقرار جديد في مجلس الأمن الدولي يهدد بمعاقبة السودان وقد صدر بعد مخاض عسير وتعديلات أرضت في النهاية الصين التي كانت هددت باستخدام الفيتو ضد القرار، ويأتي القرار في ظل جهود مستمرة أصلا للوفاء بمتطلباته من قبل الخرطوم وهي جهود حظيت بتنويه دولي.
وعلينا الانتظار لرؤية ما إذا كان التهديد بالعقوبات سيعجل بالتسوية في إقليم دارفور بغرب السودان أم أنه سيفرز أزمة ثقة بين الحكومة السودانية وبقية الأطراف الدولية التي تحاول تقديم العون لكنها مع ذلك تستصحب مشاعر الريبة والشك تجاه ما تقوم به الحكومة السودانية خصوصاً في إطار النظرة التجريمية المتمثلة في اتهامات الإبادة الجماعية والتي كانت وراء التعجيل بصدور هذا القرار.
ومن المهم الإشارة إلى أن الحكومة السودانية التي انتقدت القرار تعهدت في ذات الوقت بتطبيقه، وهي ماضية فعلا في تنفيذ بعض ما تضمنه القرار حتي قبل صدوره ومن ذلك ملاحقة مليشيات الجنجويد الذين تعتبرهم الخرطوم خارجين عن القانون رغم الاتهامات الدولية لها بأنها تدعمهم.. يبقى من الضروري أن تستمر الحكومة السودانية في إزالة المظاهر المسلحة خارج إطار الشرعية لدحض اتهامات هي في غنى عنها ولتبعد في ذات الوقت المعوقات أمام انسياب العمل الإغاثي والإنساني.. كما أن القرار الجديد يجيء وسط عمل مستمر بين الأمم المتحدة والسودان في إطار فترة زمنية حددها الطرفان بثلاثة أشهر، لم تكتمل بعد، لمعالجة الأوضاع في دارفور مع إشادة من شخصيات دولية عدة بأن الأوضاع تتقدم نحو الأفضل، وآخر هؤلاء كان وزير بريطاني رأي مثل ذلك التحسن وحذر من أن العقوبات ستؤدي فقط إلى تدهور الأوضاع.
ورغم ذلك الاتفاق بين الأمم المتحدة والخرطوم فإن أمين عام هذه المنظمة الدولية كوفي عنان رأي إمكانية التحلل من هذا الالتزام وطالب بضرورة التعجيل بإصدار القرار لمواجهة الأوضاع في السودان.
كما أن من المهم الإشارة إلى أنه جرى تحوير مواقف سابقة خصوصا في الجانب الأمريكي، إذ بينما كانت انطباعات وزير الخارجية الأمريكي عندما زار السودان أنه لا توجد إبادة بشرية، فإن الوزير كولن باول عاد منذ أيام ليقول أمام الكونجرس إن إبادة بشرية تحدث في دارفور، وجاءت هذه التصريحات في إطار التمهيد لإصدار هذا القرار.. وفي النهاية فإن الممارسات الأمريكية على طول العالم وعرضه تعبر بكل وضوح عن هذا الأسلوب القسري والقهري في معالجة الأوضاع، ولن يكون السودان استثناءً في الأجندة الأمريكية بل ربما هو في صلب الدفع الأمريكي باتجاه فرض الرؤى الجديدة لواشنطن تجاه المنطقة، خصوصا باتجاه ما يعلي من شأن إسرائيل وتحطيم ما عداها. وبهذا الصدد فإن العصا الأمريكية تنشط في العراق وتحوم حول سوريا ولبنان بينما تهدد جميع الآخرين.