حينما تتابع إجابات كثير من شبابنا عن أسئلة ثقافية توجه إليهم عبر بعض الوسائل الإعلامية تشعر أنك أمام مشكلة معرفية كبيرة، حيث تظهر لك ثقافة ضعيفة حتى في المجالات التي تحظى باهتمام الشباب كالرياضة والفنون، مع أنَّ الوسائل الإعلامية تعرض أحداثها ومعلوماتها بصورة مستمرة تغطي ساعات اليوم والليلة كاملة.
أما إذا بحثت عن المعرفة الجادة النافعة فإنك كمن يبحث عن الزهور في أرض سبخة لا تمسك ماءً ولا تنبت عُشباً.
إننا بهذه الإشارة ننبِّه إلى المشكلة من غير قصدٍ إلى اللوم للشباب، ولا التَّجريح لهم، وإنما نقصد أن نثير التساؤلات حولها في أذهان المسؤولين عن تربيتهم داخل المنزل وخارجه، وفي أذهان ولاة الأمر الذين يوجِّهون إلى ضرورة العناية بتربية الشباب وتعليمهم وتثقيفهم.
إنَّ ثقافة الشباب لا يمكن أن تأتي من فراغ، وإنما هي نتيجة لجهودهم في المتابعة والقراءة والاطلاع، وجهودنا في توفير المعلومة والمعرفة المفيدة المنوَّعة، وفي تدريب الشباب على أفضل الوسائل للحصول عليها والإفادة منها، وتقدير قيمتها وأهميتها في البناء والتطوير.
إنَّ مصادر الثقافة والمعرفة التي يتلقَّى منها الشباب هي التي توجِّه سلوكهم وقدراتهم وتحدَّد مدى جدِّهم ونشاطهم وأثرهم الإيجابي في مجتمعاتهم.
إنَّ قوَّة عرض البرامج الإذاعية والتلفازية الخاصة بالرياضة والفنّ هي التي تجعل كثيراً من الشباب على صلةٍ مستمرة بها، متابعةً، واستمتاعاً وحصولاً على المعلومة الرياضية أو الفنيَّة المتجدِّدة المدعَّمة بالصوت والصورة، فلا غرابة مع ذلك حينما نرى شباباً يعرف عن لاعب برزايلي أو بريطاني أو أرجنتيني، وعن أصدقائه وصديقاته أكثر مما يعرف عن عالمِ أو أديب أو مفكر شهير في وطنه.
هنالك مجالات علمية ودعوية، وأدبية كثيرة في بلادنا وفي غيرها من بلاد المسلمين، لها أدوار مشهودة عند المتابعين، وفيها من الأخبار المثيرة، والطرائف، والمواقف ما يمكن أن يستأثر باهتمام الشباب، ولكن المشكلة تكمن في ضعف انتشارها إعلامياً، وفي عدم التجديد في وسائل عرضها وتقديمها.
لقد اطَّلعت على شريط فيديو صدر أخيراً عن اللاجئين في السودان وتشاد من سكان إقليم دارفور، فوجدت فيه من الصور المثيرة والمواقف الصعبة التي تعرَّض لها فريق العمل الخيري بقيادة د. حقَّار محمد أحمد مدير المكتب الإقليمي للندوة العالمية بتشاد، ومعه الأستاذ خالد الطويل الممثل السعودي للندوة في هذه الرحلة، وجدت من المواقف ما فيه عبرة وموعظة، ومن الصور ما فيه إثارة يمكن أن تشبع ميول الشباب الى المغامرة النافعة، فقد كان الصراع المثير بين السيارة التي كانت تقل فريق العمل وبين الرِّمال الكثيفة في بعض الأودية، والأوحال العميقة في بعضها الآخر، والسيول التي تجري فوق مقدمة السيارة في أودية أخرى صراعاً مؤثراً لا يملك من يراه إلا أن يجد متعة المتابعة، ومتعة الإحساس بأنَّ هذا عمل خيري يضاعف الله أجر المعاناة فيه، ومتعة الشعور بالراحة بعد مواقف الصعوبة، حينما يمدّ الإنسان يد العون للمسلمين النازحين الذين لا يجدون أحياناً كثيرة لقمة العيش، ولا شربة الماء النظيفة، ولا الثوب الذي يواري الجسد، ولا الغطاء الذي يحول دون حرارة الشمس.
أين المعلومة الثقافية والدعوية عن أبنائنا وبناتنا؟ وإلى متى تستمر وسائل الإعلام في تغييب المواد الإعلامية النافعة عن عقول أجيالنا؟
إشارة
لعب السراب بنا ونحن وراءَه
نسعى وقد حفيتْ له الأقدام |
|