* الطائف - فهد سالم الثبيتي:
لا نريد من الدنيا شيئا وعفوت لوجه الله سبحانه وتعالى ذلك ما نطق به والد المقتول معلنا عفوه وعتق رقبة شاب كان قد أقدم على قتل ابنه قبل أربع سنوات وظلت المساعي من ذوي القاتل طيلة الفترة السابقة تتواصل الى أن أتت اللحظة المؤثرة التي أعلن فيها العفو.
*****
وتعود تفاصيل الحادثة عندما وقع شجار بين عبدالله عبيد العرابي (18 عاماً) و(علاء العيلي 24 عاماً) داخل صالة رياضية بطريق شهار في الطائف قبل المغرب يوم الأربعاء 28-12- 1421هـ وفُضَّ هذا الشجار حتى أنهم غادروا الصالة، ومن ثم عادوا عند العاشرة والنصف ليلاً في نفس اليوم والتقوا مرة أخرى ودخلوا في شجار عنيف كان لرفقاء السوء دور فيه حيث كانوا يثيرون الموقف بينهما ويشعلونه الى أن تماسكا بالأيدي متعاركين، وما كان على الشاب علاء العيلي إلا أن قام بسحب سكين حادة من مطعم الصالة ووجه طعنة في صدر الشاب العرابي حيث كانت نافذة وأردته قتيلاً في ظل خروج كل من كان بالصالة لحين حضور الدوريات ورجال الشرطة والذين قبضوا على الجاني فوراً.
ومن تلك الفترة ظلت مساعي البحث عن العفو وتقديم المبالغ المالية من قبل ذوي القاتل وكافة الوسطاء تتواصل، إلا أن والد المقتول وأخوته كانوا رافضين ذلك قطعاً ويرغبون في تنفيذ حكم الله وهو (القصاص) فقد توجه عدد كبير من مشايخ القبائل يزيد عددهم عن 16 شيخاً بالاضافة الى حضور الشيخ سعد البريك مندوبا عن مكتب صاحب السمو الملكي الأمير عبدالعزيز بن فهد بن عبدالعزيز الذي قدم مبلغ 15 مليون ريال من سموه مقابل التنازل عن القصاص، كما قدم لذوي المقتول شيكاً مفتوحاً يحددون فيه ما يشاءون من مبالغ إلا أن تلك المحاولات رفضت قطعاً حيث كان يصر والد المقتول على تنفيذ شرع الله.
وتواصلت المساعي ولم تنقطع وبتوجيهات من صاحب السمو الملكي الأمير عبدالمجيد بن عبدالعزيز أمير منطقة مكة المكرمة بدأت لجنة العفو واصلاح ذات البين بمنطقة مكة المكرمة جهودها في سبيل تقديم كل ما يستطيعون للحصول على وفاق وتحقيق العفو والتنازل عن القصاص إلى ان صادف يوم الثلاثاء 29-7-1425هـ ليلة الأربعاء عندما استضاف والد المقتول وذووه فضيلة الشيخ الدكتور ناصر بن مسفر الزهراني الرئيس التنفيذي للجنة العفو واصلاح ذات البين بمنطقة مكة المكرمة وبحضور الشيخ الدكتور سعيد بن مسفر القحطاني وعدد من أعضاء اللجنة الشيخ عبدالله حماد العصيمي والعقيد محمد بن هشلول مدير سجون مكة المكرمة والشيخ خليف المطيري والشيخ محمد جلال العصيمي وجمع من طلبة العلم حيث ذكَّرالشيخ القحطاني ذوي المقتول بفضيلة العفو وما للعافين عند الله سبحانه وتعالى من الأجر والثواب العظيم، الى ان جاءت اللحظة المؤثرة عندما نطق والد المقتول عبيد عبدلله حامد العرابي كلمة العفو وقال: أنا عفوت عن علاء لوجه الله سبحانه وتعالى ولا نريد من الدنيا شيئا.. الأمر الذي حوَّل الموقف الى بكاء حيث خرَّ كل من حضر المجلس ساجداً سجود شكر للمولى عزوجل.
وفي هذه الأثناء سارع الشيخ الدكتور ناصر الزهراني رئيس لجنة العفو واصلاح ذات البين بمنطقة مكة المكرمة بإجراء اتصال هاتفي من منزل العرابي بصاحب السمو الملكي الأمير عبدالمجيد بن عبدالعزيز أمير منطقة مكة المكرمة، وأخبره بوقوع العفو حيث تحدث سموه الكريم مع والد المقتول شخصيا وقدم شكره على ذلك وقال له:(هذا فعل الكرام) ودعا الله له بأن يجزيه خير الجزاء.
إثر ذلك عرض الدكتور الزهراني على والد المقتول واخوانه أن يفوزوا بشرف غسيل الكعبة مع سمو أمير منطقة مكة المكرمة والصلاة في الكعبة وبالفعل تحقق لهم ذلك صباح يوم الأربعاء الماضي غرة شعبان فيما توالت بعدها الجموع على منزل العرابي شاكرين ومهنئين وداعين الله لهم.
والد المقتول عبيد عبدالله حامد العرابي تحدث ل(الجزيرة) وقال: هي لحظات مؤثرة بالفعل فقد رفضنا طيلة الفترة السابقة كافة المساعي وكل ما قدم من أموال ولكن إرادة الله وقضاءه كانت الأسرع حيث نطقت بالعفو لوجه الله سبحانه لا أريد شيئا من الدنيا وإنني فقط أريد الأجر والثواب العظيم.
أما شقيق المقتول الأكبر الشيخ سلطان بن عبيد العرابي إمام وخطيب جامع علي شوك وحاصل على الماجستير في العقيدة الاسلامية والمعلم في ثانوية عكاظ بالطائف قال: منذ أن دفن أخي أُحدث الوالد بعظيم العفو وكنت أطلب منه العفو لوجه الله، فما حدث كان قدراً محتوماً لابد منه، استطاع الشيطان ان يسيطر على القاتل ويقوم بفعلته في ظل وجود عدد من رفقاء السوء والذين لم يكن لهم دور في انهاء المشكلة بل أثاروها وما كان من الوالد إلا الرفض وواصلت أسلوب الضغط على والدي لهذا الأمر لحين تدخل أعضاء لجنة العفو واصلاح ذات البين وعلى رأسهم الشيخ الدكتور سعيد بن مسفر القحطاني الذي كان له تأثير كبير عندما أبكانا بحديثه وبيان عظيم الأجر والثواب عند العفو والذي تحقق بحول الله وقوته معرباً عن شكره لصاحب السمو الملكي الأمير عبد المجيد بن عبدالعزيز أمير منطقة مكة المكرمة ولكافة أعضاء لجنة العفو واصلاح ذات البين ولكل المساعي التي كانت طيلة الأربع سنوات الماضية التي ما كان من شأنها إلا أن تحقق العفو ولله الحمد والمنة.
يذكر أن المقتول عبدالله كان يدرس في ثانوية الامام مالك بالطائف (توجيهي) قبل الحادثة، وتؤكد المعلومات بأن العفو سبق السيف حيث كان من المقرر أن ينفذ حكم القصاص في القاتل علاء يوم الاثنين 13-8-1425هـ.
|