قد لا يشعر أحدنا بأنه وقع فريسة الغش التجاري في ميدان الدهانات إلا بعد مضي وقت ليس باليسير، إذ إن مسألة الغش هنا لها طابع مختلف عن غيرها من أنواع الغش التي تمارس في الميدان التجاري، فالدهانات ليست طعاماً ذا غصة يجبر المرء بعد دقائق أو سويعات من تناوله على اللجوء إلى أقرب مستشفى أو مستوصف كما يحدث لمن يقع ضحية غش تجاري لمواد غذائىة فاسدة أو منتهية الصلاحية، وهي ليست دواءً منتهي الصلاحية يضاعف للمرضى آلامهم بعد أن كانوا ينظرون إليه على أنه البلسم الشافي، وإن كان هذان النوعان من الغش أشد امتهاناً لبني البشر، فآثار الغش في الدهانات التي تحدث كنتيجة طبيعية لفقدانها الجودة المطلوبة وطنياً وعالمياً قد لا تظهر بين عشية وضحاها، إلا أن تأخر ظهور آثار الغش لا يبيح غض الطرف عنه بأي حال من الأحوال، إذ إن مبدأ الغش مرفوض من أساسه، ولقد تبرأ النبي صلى الله عليه وسلم من فاعله، وهو بصورة أو بأخرى لا يعدو عن كونه آكلاً لأموال الناس بالباطل ، ومخالفة للأمانة تجاه المجتمع والوطن، نظراً لما يترتب عليه من آثار سلبية على المستهلكين وعلى الاقتصاد الوطني، وذلك جراء اهتزاز الثقة بالمنتج الوطني وبالتالي العزوف عنه إلى غيره.
إن نظرة متفحصة لهذه الظاهرة تدل دلالة أكيدة على أن من يمارسون الغش التجاري لا يهمهم سوى إرضاء مطامعهم بكسب الأموال وتكديسها في أقصر فترة ممكنة، لا فرق عندهم بين أن تكون هذه الأموال من حلّ أو من حرام.
وإذا كان ممارسو الغش التجاري يحاولون اقتناص الفرص لممارسته على حين غفلة من المستهلك، الذي لا يدرك بأنه قد ضلل وخدع إلا بعد فوات الأوان، أو بعيداً عن أعين الجهات المختصة، فإن الواجب يحتم علينا أن نبادر إلى بث الوعي لدى المستهلك لكي يحمي نفسه من الوقوع ضحية الغش التجاري الذي يمارس في هذا الميدان.
ومن هذا المنطلق فإننا في دهانات الجزيرة وباعتبارنا شركة وطنية مختصة في مجال الدهانات ركزت على الجودة حتى جعلتها شعاراً لها إلى جانب الجمال، وسبرت أغوار سوق الدهانات وتدرك ما فيه من خلل ومثالب، من هذا المنطلق فإننا نود أن نقدم بعض المقترحات التي من شأنها الإسهام في التخلص من هذه الظاهرة.
مقترحاتنا في الحقيقة تأتي في باب (درهم وقاية..) وتعرفون بقية المثل، ويمكن التوجه بها إلى جهتين اثنتين معنيتين بالأمر، هما وزارة التجارة والصناعة والمستهلك.
ولنا أن نبدأ مع المستهلك بالدرجة الأولى إذ إنه المتضرر الأول من عملية الغش من دون شك، هذا شيء والشيء الآخر أن المستهلك الذي يقدم على شراء أي صنف من الدهانات يهمه الحصول على منتج يتمتع بجودة عالية وبسعر مناسب، وهذا حق له أن يحرص عليه، ولكن هناك من المستهلكين من لا يلقون لمسألة الجودة بالاً، وينظرون إلى السعر فحسب، متناسين أن تصرفاً كهذا يمكن أن يعود عليهم بالضرر إن عاجلاً أو آجلاً، وذلك من خلال حدوث مشاكل عديدة للطلاء الذي اختاروه لرخص ثمنه أو اختاره لهم أحد الدهانين، الذين - إلا من رحم ربي - يتقاضون عمولات مغرية عن كل برميل يشتريه المستهلك الذي انساق وراء رأيهم، وهم لا يتورعون عن ذم كثير من الأصناف التي لا يتقاضون عمولات عليها حتى وإن كانت تحمل علامة الجودة من هيئة المواصفات والمقاييس، ورغم أن علامة الجودة تشكل الضمانة الأولى للمستهلك للحصول على دهانات تتمتع بالجودة العالية.
فمن المستهلكين من ينصاعون لرغبة الدهان لعدم إدراكهم ما يحاك لهم في الخفاء، ولا يكتشفون خطأهم في الانصياع لرغبته إلا وقد وقعت الفأس بالرأس كما يقال، ومنهم من لا يتأكد من وزن العبوات التي يشتريها، ويخدع بعبارات تسجل على العبوات تشير إلى أن المنتج عالمي وهو أبعد ما يكون عن ذلك، ولا يتأكد من أن ماركة الدهانات التي يشتري منها ليست مقلدة.
ومن المفيد أن نؤكد أن اختيار الدهان عالي الجودة، بالإضافة إلى تطبيق نظام الطلاء بشكل صحيح، وإعداد السطح وتجهيزه بشكل سليم قبل البدء بعملية التنفيذ، خطوات مهمة لابد منها للوقاية مما قد يحدث للدهان من مشكلات.
وإذا كانت هذه اقتراحاتنا ونصائحنا للمستهلك الكريم، فإننا نقترح على وزارة التجارة والصناعة ما يلي:
* إلزام مصانع الدهانات بتوفير جميع أجهزة اختبار الدهانات، وقيام هيئة المواصفات والمقاييس بمراقبة هذه المصانع.
* حصر مصانع الدهانات المرخصة والحاصلة على علامة الجودة من هيئة المواصفات والمقاييس السعودية.
* حصر الماركات التي تحمل علامة تجارية مسجلة لدى وزارة التجارة وأصحاب هذه الماركات.
* حصر مصانع الأوعية الفارغة معدنية كانت أو بلاستيكية في المملكة.
* منح مصانع الدهانات المرخصة مهلة تمتد من (6 - 12) شهراً للحصول على علامة الجودة من هيئة المواصفات والمقاييس السعودية.
* إصدار تعميم من قبل وزارة التجارة ينص على إلزام (مصانع الأوعية الفارغة) عدم تصنيع الأوعية الفارغة إلا لمصانع الدهانات المرخصة والحاصلة على علامة الجودة من هيئة المواصفات والمقاييس السعودية، وكذا للتجار أصحاب الماركات التي تحمل علامة تجارية مسجلة لدى وزارة التجارة.
* أن ينص التعميم على إلزام مصانع الدهانات المرخصة الحاصلة على علامة الجودة من هيئة المواصفات والمقاييس السعودية، وضع أسمائها وأرقام تشغيلاتها وتاريخ هذه التشغيلات على جميع الأوعية الفارغة التي تقوم بتعبئتها.
* أن ينص التعميم على إلزام (مصانع الأوعية الفارغة) عدم تصنيع الأوعية لمصانع الدهانات المرخصة الحاصلة على علامة الجودة من هيئة المواصفات والمقاييس السعودية ما لم تبرز ما يثبت ذلك.
* أن ينص التعميم على إلزام التاجر صاحب الماركة التي تحمل علامة تجارية مسجلة لدى وزارة التجارة، التوجّه إلى وزارة التجارة للحصول على موافقتها بتصنيع الأوعية الفارغة، محدداً اسم مصنع الدهانات الذي سيقوم بتعبئة الأوعية الفارغة فيه، ومتعهداً بأنه لن يستلم هذه الأوعية من مصنع الأوعية الفارغة، إنما سيقوم باستلامها بعد تعبئتها من قبل مصنع الدهانات الذي قام بتحديده.
* أن ينص التعميم على إلزام (مصانع الأوعية الفارغة) عدم تصنيع الأوعية الفارغة للتاجر صاحب الماركة التي تحمل علامة تجارية مسجلة لدى وزارة التجارة ما لم يبرز موافقة وزارة التجارة المتضمنة اسم مصنع الدهانات المرخص والحاصل على علامة الجودة من هيئة المواصفات والمقاييس السعودية، الذي سيقوم بتعبئة الأوعية الفارغة فيه.
* أن ينص التعميم على إلزام (مصانع الأوعية الفارغة) الاحتفاظ بنسخة من موافقة وزارة التجارة لديها، سواء كانت هذه الموافقة مقدمة من قبل مصانع الدهانات المرخصة والحاصلة على علامة الجودة من هيئة المواصفات والمقاييس السعودية، أو من التجار أصحاب الماركات التي تحمل علامة تجارية مسجلة لدى وزارة التجارة.
* أن ينص التعميم على إلزام (مصانع الأوعية الفارغة) تسليم ما قامت بتصنيعه من أوعية فارغة إلى مصنع الدهانات المحدد في موافقة وزارة التجارة، سواء تقدم بهذه الموافقة مصنع الدهانات نفسه أو التاجر صاحب إحدى الماركات التي تحمل علامة تجارية مسجلة لدى وزارة التجارة.
* أن ينص ا لتعميم على إلزام (مصانع الأوعية الفارغة) الاحتفاظ بنسخة من سند استلام الأوعية الفارغة التي تقوم بتسليمها إلى مصنع الدهانات المحدد في موافقة وزارة التجارة.
* أن ينص التعميم على أن ضبط أي مخالفة في مواصفات الدهانات بعد الموعد المحدد لبدء سريان هذا التعميم، سيعرض مصنع الدهانات الذي تمت فيه تعبئة الأوعية الفارغة للمساءلة، سواء كانت هذه الأوعية ملكاً للمصنع الذي قام بالتعبئة أو للتاجر صاحب الماركة التي تحمل علامة تجارية مسجلة لدى وزارة التجارة.
* منع دخول الدهانات المقلدة وغير المطابقة للمواصفات القياسية السعودية والمواصفات القياسية العالمية إلى أرض الوطن، ودراسة حجم السوق ومدى استيعابها للدهانات لمنع إغراقها.
* إغلاق مصانع الأحواش التي لا تحمل ترخيصاً من البلديات في المناطق التي تمارس نشاطها فيها.
* إلزام مصانع الدهانات بالحصول على ترخيص صناعي من وزارة الصناعة والتجارة وعدم الاكتفاء بترخيص البلدية، وكذلك عدم التوسع في إصدار التراخيص الصناعية.
* رفع نصاب الحد الأعلى للغرامات المالية من ألف ريال إلى خمسمائة ألف ريال بحق من يمارسون الغش والتزوير التجاري.
* التشهير بالمخالفين في الصحف المحلية وكفهم عن مزاولة النشاط، ولا ضير - وفق وجهة نظرنا - بالتضحية بالبعض حتى يرتدع الباقون.
* زيادة أعضاء إدارة مكافحة الغش التجاري في فروع وزارة التجارة بالمملكة، وقيامهم بجولات على مراكز توزيع الدهان للتأكد من مطابقة البيانات المدونة على العبوات للواقع، وخاصة بالنسبة لوزن العبوة.
* تشكيل لجنة مختصة بالفصل في منازعات الغش التجاري في مجال الدهان تضم مهندسين كيميائيين يستطيعون تحديد أسباب فشل عملية الطلاء التي لا تتعلق في حالات كثيرة بجودة الدهان بمقدار ما تتعلق بظروف عملية تنفيذ الطلاء وسلامة السطوح التي يتم الطلاء عليها.
* إلزام مؤسسات المقاولات التي تمتلك عمالة منفذة بتدريب عمالتها على تنفيذ الطلاء، وحيازة شهادات بذلك.
* تعزيز ثقة المستهلكين بالمنتج الوطني، وتوعيتهم للامتناع عن التعامل مع الدهانين الذي لا يبرزون لهم شهادات تؤكد مقدرتهم على تنفيذ الطلاء. ونؤكد هنا - كما أكدنا غير مرة - استعدادنا لشرح هذه المقترحات للإخوة المعنيين في وزارة التجارة والصناعة، لأننا نرى أن تطبيق هذه المقترحات من شأنه أن يقضي على هذه الظاهرة أو يحدّ من انتشارها على أضعف الإيمان.
ختاماً يبدو جلياً لنا أنه لابد من تضافر جهود المستهلكين والجهات المعنية في وزارة التجارة والصناعة للتخلص من ظاهرة الغش التجاري المخالفة لنهج ديننا الحنيف،، هذا الدين الذي حض على الأمانة والصدق في المعاملة، كما نستنتج أن هذه الظاهرة ليست عصية على الحلّ.
* رئيس مجلس إدارة شركة دهانات الجزيرة |