الضمير قد يستكين قليلاً وقد يغفو صاحبه، أو يصمت انتظاراً للحظة يجهر فيها موقفه. هذا بالضبط ما يحصل الآن في أوساط المثقفين الأمريكيين تجاه التخريب الفكري الذي أحدثته أدبيات المحافظين الجدد والتي انتقلت من مرحلة التنظير إلى الفعل، والمجتمع الأمريكي مجتمع متفتح، وهو أقرب للبرالية من الأصولية المتحفظة، ولهذا فقد كان مستغرباً أن ينجر هذا المجتمع إلى أطروحات المحافظين الجدد المغرقة في الأصولية المسيحية القريبة من الغيبيات التي لا يمكن التسليم بها حتى في المجتمعات المتخلفة، فكيف هذا يحصل في مجتمع متقدم ومنفتح كالمجتمع الأمريكي..؟!!
السيطرة على الإعلام وخلط المفاهيم الدينية الضيقة مع المصالح السياسية والتمويل المالي القوي جعل المتلقي الأمريكي تحت رحمة قنوات إعلامية محددة جميعها تسير في ركاب الفكر المحافظ الذي انتقل من مواقع التنظير ومراكز البحث إلى أدوات صنع الرأي من خلال القنوات الإعلامية المرئية والمسموعة والمقروءة، ثم تكتمل مرحلة الفعل الأخطر عندما حصل منظرو المحافظين الجدد على مواقع متميزة في مراكز صنع القرار الأمريكي، فأصبح لهم حضور ونفوذ قويان في البيت الأبيض ومجلس الأمن القومي ووزارة الدفاع لتوجه السياسة الأمريكية خدمة لأهداف أصحاب هذا الفكر المتشدد.
إن استلاب القرار السياسي والعسكري الأمريكي وتوجيه السياسة الأمريكية خدمة لأهداف مرسومة مسبقاً هو الذي أيقظ ضمائر المثقفين والمفكرين الأمريكيين الذين بدأوا يكشفون ورطة أمريكا بأفعال المحافظين الجدد. فقد صدرت العديد من الكتب والتصريحات والتي كان آخرها ما أفصح عنه الجنرال انطوان زيني قائد القوات الأمريكية للمنطقة الوسطى التي تغطي مناطق الشرق الأدنى والأوسط (سابقاً) والذي يعد احد المفكرين الاستراتيجيين الأمريكيين، والذي قال إن أسوأ خبر تم كتمانه في واشنطن هو أن المحافظين الجدد شجعوا الحرب على العراق لمصلحة إسرائيل.
قول الجنرال زيني هذا فتح المجال أمام الضمائر لتراجع مواقفها، وبدأ المثقفون والمفكرون يتحدثون عن الثمن الذي تدفعه أمريكا للوقوف إلى جانب الباطل الإسرائيلي.
وبعد صمت طويل بدأت الحقائق تتكشف وأخذت الأصوات الأمريكية ترتفع وتعلن دون مواربة أن إسرائيل وشارون هما السبب الأهم لكراهية العرب والمسلمين لأمريكا.وأن الحرب في العراق هي محاولة من أصدقاء إسرائيل لنقل النزاع العربي الإسرائيلي إلى ساحة قتال أخرى هي الساحة العراقية حيث تحارب فيها أمريكا نيابة عن إسرائيل.. ولهذا فإن أصدقاء إسرائيل (المحافظون الجدد) هم المدافعون الرئيسيون عن الحرب الأمريكية في العراق وهم الذين يعملون على استمرارها.
|