الحركة الثقافية في المملكة العربية السعودية ليست حسب رأي عدد من الراصدين للحركة الثقافية في الوطن العربي وليدة أو حديثة. فهي تمتد إلى سلسلة مترابطة من التراكمات والبيئات والتنوعات الثقافية المتعددة التي تسهم بشكل فاعل في إثراء المشهد وحضوره.
والاعداد والقوائم المستعرضة للباحثين للكتاب ورواد المشهد الثقافي السعودي كفيلة بتأكيد تلك الحقيقة. وفي المقابل تتعالى أصوات صادقة تعلن ضعف ذلكم المشهد وخبو صوته.
ويا ترى هل تلكم الأسماء اللامعة الحضارة تبوأت تلك المكانة عبثاً ولعباً.
إلا أنه من خلال الاستقراء لحالة المشهد الثقافي السعودي يكاد يعزي ثراءه وغناه إلى الجوانب التالية:
الأول: الاحتكاك الدائم والتوصال اللامنقطع مع البيئات الثقافية الأخرى مما زاده حياة وتجربة.
الثاني: التكوين العلمي الذي يتمتع به المثقف السعودي من خلال المؤسسات العلمية الفاعلة كالجامعات والمعاهد المتخصصة التي تبث روح العطاء والتفاعل مع الآخر.
إلا أن تلك العشوائية التي يتلمسها كل من اقترب من المؤسسات الثقافية والأدبية ودخل أروقتها واكتشف الشللية التي تعيشها وضيق العطن الذي يستهوي بعض من يديرون دفة تلك النوادي والمنتديات يدرك ضعف الصوت الثقافي السعودي وللمثقف العربي خصوصاً.
ليس أمام من يديرون دفة اللقاء المزمع عقده للمثقفين السعوديين خيار من أن تكون نقلة مرحلية مهمة للمشهد والمسيرة الثقافية السعودية المتعثرة والمبعثر شتاتها.
وأن تكون إعلاناً لإحياء ونهوض ثقافي جديد منسجم مع المرحلية الحرجة التي تعيشها بلادنا شكت خلالها غياباً مكشوفاً لصوت المثقف خصوصاً في قضايا البلاد وطروحاته الساخنة.
وإذا كان إفراز المرحلة السابقة للثقافة لدينا قد شكت من الإقصائية في طرفيها المتسابقين في سعي الكسب والرهان وعدم احترام روح المثقف ورأيه في شتى الطروحات الفكرية والثقافية بالحكم المسبق المغلف من أحد الأطراف الشائكة.
فقد آن الأوان أن ينعتق المثقف عبر منظومة مؤسساته الثقافية من تلك القيود التي اتخذت مصادرة الآراء والتوجهات قيمة وراية ترفع عقيرتها فيه.
خصوصاً تلك الجموع التي تتباكى خوفاً على أجيالنا وفلذات أكبادها حرقة من ثقافة تسمى مختطفة كما هي حال التعليم في نظرهم!!
ليس أمام المثقفين وهم يعدون أوراقهم للقاء بعضهم بعضاً سوى مزيد من روح الألفة ومد جسور التآخي التي قطعت حتى أواصر النخب التي ينتظر قدوتها للأمة والمجتمع من بعد.
وها هي صدامات الأجيال وهوة الخلاف تزداد بين جيل الكبار والصغار والتراشق نذكي ناره في تصفيات شخصية بعيدة عن روح الوطنية والإخاء والتسامح ومن قبل أدبيات الحوار.
أما قضايا النشر والكتاب وتراجع قوائم القراء في جيل الشباب وعزوف الناس عن المكتبات ومحاضن الثقافة فليست أقل هماً من سابقتها وتستدعي المراجعة والدراسة واستعجال الحلول.
إذا كان هناك ثمة أنفس صالحة سعت منذ أمد إلى تحقيق هذا اللقاء وتلك الأمنية فلا أقل من أن تسعد بها بعد موتها فننعى بجد وصدق لمثولها وشهودها.
خصوصاً وسخف لما نزل في منحه من حياة وعمل وطموح.
أما الهمس الأخير: فهو تصحيح صورتنا ليست الخارجية ولكنها بعضاً لبعض لاسيما وقد سادت روح من النفرة بين نخبنا في شتى مؤسساتنا الثقافية والاجتماعية بل حتى والشرعية وصرنا ونحن نسخر من تلك المقولة من ليس معي فهو ضدي ونحن أول من يمارسها في حياتنا وسلوكياتنا.
إن مشاعر الريبة والتخوف وعدم الارتياح الذي ينتاب بعضنا بعضاً لمجرد الاختلاف في طرح أو رأي أو فكرة يجب أن يكون من أولويات هذا اللقاء إذابته وازاحته وإحلال المزيد من روح الإخاء والود والمحبة والتسامح بين أبناء هذا البلد الطيب والوطن الكبير.
|