أعشق الطفولة.. أهوى الصبا.. أتساءل دائماً عن أولئك الذين يعيشون لحظة الزمن العابر بعيداً عن تقاطعات الأحداث.. أتساءل عن الأطفال من حولي.. لماذا يركضون إلى المجهول.. لماذا يمسكون بالمفتاح.. لماذا يحبون الماء والتراب.. لماذا يأسرهم الطين.. لماذا يعشقون اللعب على أديم الأرض الطاهر.. أهو الشوق الأبدي المكنون إلى النهاية الحتمية التي لابد أن تكون.. أم الانجذاب إلى الماضي السحيق!! لا أعلم لماذا أطرح على نفسي هذه التساؤلات اليوم.. لا أعلم لماذا أكتب للقارىء الكريم عن لحظة الذات الغائرة في عالم الطفولة العابر وأسئلته المبعثرة وربما الحائرة؟ لا أعلم لماذا انتابني الشعور في هذه اللحظة العجلى بأن في قلب كل رجل يستكن طفل، وأن في وجدان كل طفل يرتسم رجل!! لا أدري لماذا أتساءل وبقوة وفجأة دون سابق إعداد أو تفكير عن أطفال اليوم!! ما هي آمالهم.. طموحاتهم.. أحلامهم.. هل هم يعرفون للتفاؤل طريقاً.. أم أنهم اتخذوا من التشاؤم سربالاً ورفيقاً.. أم أنهم لا يعرفون لا هذا ولا ذاك تائهون يسيرون في دروبهم خلف الكبار الذين يقودونهم إلى؟؟؟ !!! ترى لو اكتشفوا بعد سنوات من العمر قصيرة أننا كنا نخادعهم، نسير بهم كيفما اتفق بعيدا عن الهدف الأساس للوجود.. إننا لم نربهم للزمن القادم.. إننا لعبنا معهم بالماء الذي به حياتهم.. إننا حملنا على أكتافهم تبعات الأبوة الجائرة!! أتساءل عن الأطفال كيف يبنون علاقاتهم..صداقاتهم.. عشقهم.. لماذا تسمع لهم صريخا حين حديثهم وسرعان ما يبكون.. لماذا يجعلون من لا شيء أشياء.. ماذا عساهم يقولون حين يلتقون مع أترابهم.. كيف ينظرون للكبار النساء قبل الرجال متى يحبون.. يكرهون.. لا يبالون.. هل يدركون لماذا نحن هنا دون غيرنا.. هل يفهمون ما حولهم.. هل يعرفون الحقيقة أم أنهم يقتنعون بما يقوله لهم الكبار ويتلحفون بالصمت المطبق انتظاراً للقدر القادم!! هل يعون الزمان والمكان والحدث.. أتساءل عنك أنت.. هل وضعك طفلك، أو طفل آخر تحبه أو حتى لا تعرفه في موقف محرج لم تنسه بعد.. هل تصدق بمقولة من قال: إني أحب أبنائي حباً متساوياً لا فرق بين هذا وذاك.. هل تلحظ في عالم الطفولة الرائع تبايناً بين الذكر والأنثى في المشاعر والأحاسيس والأشجان.. هل تصدق قول القائل: إن الطفولة حتى سن الثامنة عشرة أو يزيد.. متى تكون قريباً من طفلك.. ولماذا يرفض هو أن يكون قريباً منك لحظة من الزمن فائتة.. هل مزق صغيرك أوراقاً مهمة لك.. هل لعب بحاجياتك الذاتية.. هل كتب حروف الهجاء الأولى على باب الدار.. هل أفسد عليك روعة النظر إلى المرآة بأصابعه التي مررها بعبث حتى ذهب بريقها.. هل أفسد عليك خلوتك.. هل صرخ في وجهك طالباً المفتاح والجوال، وربما ألح عليك بأن تلبسه الشماغ والعقال..هل تلفظ عليك بما لا تحب أن تسمعه منه.. هل اشتكى لك أخاه الذي يكبره أو حتى بنت الجيران.. هل أفسد عليك نومك البارحة.. هل تدخن أمامه أم أنك تخجل منه، وماذا عساك أن تقول له عندما يفعل في مستقبل أمره مثلما صنعت؟؟
ماذا فعل عندما ذهبت به أول مرة للحلاق.. ما هو الإحساس الذي يساورك وأنت تضم طفلك، وقد أرهقه البكاء وأضناه التعب وسالت على خده الدموع.. ما هو موقفك عندما يلح عليك صغيرك أن تشتري له ما لا تستطيع، أو ما تعلم ضرره على صحته، أو ما تعتقد أنه لا يستحق أن يدفع به هذا المبلغ من المال.. هل زرت طفلاً في المستشفى ونظر إليك نظرة البأس المحتاج الذي يأمل منك الشفقة والعون.. هل رأيت صغيراً مسجى حتى ولو على شاشة التلفاز.. هل واريت رضيعا الثرى.. هل وقفت على قبور أولئك الصغار وحاولت أن تعدها لتعرف قدر الله وإرادته في أن يموت الصغار كما يموت الكبار.. ما هي مشاعرك وطفل مكدود الجبين يطرق عليك نافذة السيارة عند إشارة المرور وفي الساعة الثانية من ظهر يوم حار من أيام الرياض التي لا تنسى، تنظر إلى وجهه فتبصر الحزن، تمد عينيك إلى الأرض فإذا به يرفع قدما ويضع الأخرى يحاول أن يلتصق ببابك عله أن يجد أماناً في بقية ظل سيرحل.. هل سمعت عن أم ترمي جنينها في صندوق النفايات لتجمع في تاريخها جريمتين، ولتضيف إلى رصيدها كماً متراكماً من الظلمات بعضها فوق بعض.. هل مرت بك لحظة انتظار صعبة كنت فيها ترقب عقارب الساعة في وقت متأخر من الليل، تدعو الله، تنتظر البشرى بمولد جديد قد يكون هو أول العنقود أو حتى آخره.. هل بادرك طفلك بسؤال لم تجد له جواباً، كرر السؤال فوجدت نفسك محرجاً ولم تجد بداً أن تنهره.. هل فكرت في مشاعر طفل ذهب أول الأسبوع الماضي إلى عالم جديد، وسيقابل وجوهاً جديدة لم يعرفها من قبل.. هل سمعت بقصة ذلك المسجون الذي كان يلح أن يطلق سراحه أول أيام سجنه، وعندما مضى من الزمن الحزين سنوات معدودة وطلب منه الرحيل رفض الخروج مسبباً ذلك بمقولة صارت مثلاً (صبي وزلت عجا ريفه).. وهل أنت من أولئك الرجال الذين مازالوا مشدودين إلى أيام طفولتهم الرائعة أو حتى الكالحة الحزينة.. هل.. هل.. أسئلة عديدة يثيرها عالم الطفولة جلها جزماً مر على خاطرك لحظة من الزمن، وربما ظلت واقفة تنتظر الإجابة، وقد تكون مازالت مغروسة في العقل الباطن تذهب وتعود.. وبعض هذه المواقف التي كانت حاضرة في ذاكرتي حين كتابة هذا المقال ربما مرت معك أو شبيهة بها في يوم من أيام حياتك.. والسؤال الأساس ما هو السلوك التربوي الذي اخترته للتعامل مع هذا الموقف.. وهل هو في نظرك صحيح، وما زلت مقتنعاً به.. ترى هل نحن بحاجة إلى أن نعيد قراءة هذا العالم الرائع لعلنا أن نفهم أسراره ومن ثم نتعامل معه بنهج تربوي سليم يحقق نتيجة كل منا يتوق إليها.. إنها أسئلة عابرة مبعثرة أردت أن تبقى في الذاكرة علها أن تفتح الباب على مصراعيه من جديد لولوج عالم الطفولة الرائع المليء بالأسرار.
|