لكي نشيّد أبنية ضخمة، أو شققاً فخمة فما علينا إلا أن نجتث حقل نخل بأكمله، لنغتال خضرته ونعبث في روعته دون أن نكلف أنفسنا النظر برحمةٍ ومودة إلى تراث أهلنا، بل إن من بيننا من ينتظرون رحيل شيوخ أخلصوا وتفانوا في تشييد هذا الحقل أو ذاك.. تلك المليئة بالأشجار ولاسيما النخل لكي يزيلوها بكل عقوق. لا أدري أهو انتقامٌ من الماضي أم من أهله أم منهما معاً؟
رأيت بأم عيني وأختها واحداً من هؤلاء العاقين المسكونين بضيق الأفق ونظرة التكالب على المال حينما هم بإقامة (محطة وقود) على أرض حقل والده الذي عاد إليه ممزقاً بعد رحيله، فلكم أن تتصوروا كيف ردم بئر الحقل؟ فقد هدم المباني القديمة واجتث النخيلات والأشجار التي ظلت ولعقودٍ تبهج الجوار وتشد العابر بقربها بكل مودةٍ إلى الماضي ليلقي بها في البئر ويهيل عليها من ركام الجدران الطينية والأسمنتية ما تكفل في مواراتها عن الوجود.
أخذ من أرض الحقل أمتاراً معدودة لعمل مشروعه لتظل بقية الأرض المغدورة جرداء مسلوبة المقومات الممكنة للحياة، وإمعاناً في القضاء على كل كائن حي سكب الديزل على البراعم الجديدة للاثل والسدر والزيتون، ليوقف وببطش الجبابرة أي مظهرٍ للحياة في هذا المكان الذي ظلت خضرته تعانق سمرة الجبل.
الموت سنة الله في العباد والكائنات، لكن أن تفسد حقلاً من أجل محطة وقود، فهذه قمة الأذى.. فأمنيتي - ولا أملك غيرها - أن تتحرك وزارة الزراعة برحمة وشعور نبيل من أجل عمل تعريفي يشجع على بقاء مثل هذه الجماليات في حياتنا وأهمها النخلة التي تعاني من العقوق شأنها شأن أي أم في هذه الدنيا.
|