لا أعتقد أن هذه الحكمة التي ترددت كثيرا ًوحفظناها منذ الصغر (إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب) لا أظنها مصيبة، بل ليست قريبة من الصواب فالكلام وسيلة التعبير عن القول والرأي، وفي الكلمة المشهورة (لا ينسب إلى ساكت قول) فالسكوت والصمت صفة قد بالغ البعض في مدحها، وكم أوقع الصمت صاحبه في مكان ليس مكانه مدحاً وقدحاً.
وإن كان من التماس عذر حسن لهذه الكلمة وصاحبها فلعلنا نقول: إن المقصود بالصمت هو الصمت عما لا يحسن من الكلام.
وبحسب إفادة زميلي الفاضل الأستاذ عبدالله الهدلق فإن للجاحظ كلاما نفيسا في المفاضلة بين الصمت والكلام، وكان مما أورده الجاحظ أن الصمت لا تعرف قيمته إلا بالكلام، ولا يستطيع الصامت أن يعبر عن قيمة الصمت بالصمت!!
حتى إن الصمت أورد صاحبه الموارد في بعض الأحيان، وخذ على ذلك قصة أبي حنيفة النعمان إن صحت حينما قال ( آن لأبي حنيفة أن يمد رجله).
أنا لا أدعو أي فرد لأن يكون ثرثاراً، لكن هل يطيق أحدنا أن يصاحب أحدهم لعدة دقائق في لحظات صمت دون موجب لا شك أن ذلك سيلقي بالوحشة علينا.
وإلى كل من وجهنا إلى الصمت في مقاعد التعليم في أوقات سابقة أليس من حقنا أن نقول لهم بدل أن تقولوا اصمتوا وأن ترددوا علينا المثل القديم الجديد (إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب) أقول بدلا من هذا وذاك أليس من الواجب عليكم أن تعلمونا الإلقاء والخطابة، وفن التحدث والتأثير على الآخرين بدل أن يأتي جيل كأنه الصخر لا يتكلم إلا في حالات معينة، ويخاف الحديث أكثر مما يرجو النفع والتأثير.
وبدون مبالغة فقد نشأ جيل من الشباب يخشى من الحديث في المجالس العامة ومع من يكبرمنه سنا حتى لو كان الحديث مفيداً أو مصححا لغلط، كل ذلك خشية من عبارات النقد مع أنه يعاني من حاجز نفسي.
وهذا الأمر حصل للصحابي الجليل عبدالله بن عمر حينما طرح النبي- صلى الله عليه وسلم- لغزاً لم يعرف الصحابة حله، وكان ابن عمر يعرف الحل ولم يجب لأنه الصغير، وبعد انقضاء المجلس أخبر والده عمر بن الحطاب بذلك فكان عمر يتمنى لو أنه تكلم في هذا المجلس الشريف.
فإذن فلنوجه الجيل الجديد لأدب الحديث قبل أن نرهبهم من خطورة الزلل بكلمة وكان الأصل أن كل متحدث سيخطئ وسيلومه الحضور.
للتواصل:
فاكس 2092858
|