أطل من نافذتي السوداء المعتمة.. وأحدق في الأفق البعيد.. حيث ألوان الشفق وقت الغروب.. وأنا في انتظار ليلة كسابقتها.. العتمة هي كل التضاريس التي تحتويها.. نماذج للصمت.. وتأهب من قبل الجميع..
ومن زاوية تلك الحجرة.. ينبثق احتدام لأصوات ممتزجة يخرج من بينها صوت مأساتي.. ما زلت متكئة أرقب قريتي التي حظيت على ولائي.. وسماؤها ما زالت ملبدة بالغيوم المثقلة بالغيث.. والتي داعب وابلها ثرى قريتي الطاهرة ليلة البارحة. كنت أمعن النظر بكل هذه التفاصيل الرائعة التي ازدانت بها.. تأخذني إلى آفاق بعيدة.. وقطرات من المطر تبلل وجنتي وشيء من الندى ينساب إلى شعري.. تختال برداء أبيض فتاة تقتات من حبي ما يمنحها مزيداً من الفتو.. تجمع حجارة بيضاء تقدحها لتضيء طريقها حيث تذهب.. تزمجر بصخب نشوة بهذه الأجواء الساحرة.. لكن رداءها الأبيض يأخذني إلى ذاكرة طفولتها.. في الوقت الذي كنت أشعر فيه بدفقات حبها.. أمنحها جرعات من العطف، وهي من أعيتها الحاجة للمزيد.. أرقبها وهي تمزق رداء الطفولة حتى رمته أرضاً.. واكتفت بما صنعه لها الصبا.. وأنا ما زلت أراها طفلة.. كنت أطير شوقاً فيها لو أصبغت عليّ شيئاً من مسؤوليات الأم..
كنت أتذوقها بعمق.. ا
نحدر من عيني سيل من الدموع.. لم أمسح مجراه بعد.. كانت بقايا من دموع اختلطت بدموعها وهي تصرخ بعشوائية.. ربما لا تعلم ماذا تريد.. وأنا أشعر بمرارة العجز حيالها.. هل أربت على جبينها تثبيتا.. أم احتضنها وأدع نبض الفؤاد يحكي لها كل المفردات الغامضة التي لا تجيد فهمها.. أم أتنهد بعمق وأدع تلك الهموم تحطم أضلعي..
لكن هذا الظلام الذي تسلل بخبث.. اختطف كل الخيوط التي أزمع أن أصنع بها البساط الذي أمتطيه على متن الريح.. ليرحل بي إلى هناك.. إلى فضاءات الأمن.. فأتنفسه بعمق.. ليختلط بدمائي.. وأستطيع منحه لمن اعتقله اليأس.
|